قَالَ: طَلِّقِي إِنْ شِئْتِ وَاحِدَةً، فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا. قَالَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَقَعُ، لِأَنَّ مَشِيئَةَ ذَلِكَ الْعَدَدِ صَارَتْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْقَصْدُ إِلَى الطَّلَاقِ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِحُرُوفِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى الطَّلَاقِ، وَلَا يَكْفِي الْقَصْدُ إِلَى حُرُوفِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ، وَيَخْتَلُّ الْقَصْدُ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ اللَّفْظَ، كَالنَّائِمِ تَجْرِي كَلِمَةُ الطَّلَاقِ عَلَى لِسَانِهِ. وَلَوِ اسْتَيْقَظَ نَائِمٌ، وَقَدْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَقَالَ: أَجَزْتُ ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْتُهُ، فَهُوَ لَغْوٌ.
فَرْعٌ
مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مُحَاوَرَتِهِ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ سَبْقَ اللِّسَانِ فِي الظَّاهِرِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ: طَلَّقْتُكِ، ثُمَّ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي وَإِنَّمَا أَرَدْتُ: طَلَبْتُكِ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ لَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ «الْحَاوِي» وَغَيْرِهِ: أَنَّ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُتَّهَمًا. فَأَمَّا إِنْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ بِأَمَارَةٍ، فَلَهَا أَنْ تَقْبَلَ قَوْلَهُ وَلَا تُخَاصِمَهُ. وَأَنَّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ إِذَا عَرَفَ الْحَالَ، يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ. وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ تُسَمَّى طَالِقًا، وَعَبَدُهُ يُسَمَّى حُرًّا، فَقَالَ لَهَا: يَا طَالِقُ، وَلَهُ: يَا حُرُّ، فَإِنْ قَصَدَ النِّدَاءَ، فَلَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ. وَإِنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ، حَصَلَا. وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى النِّدَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ كَانَ حُرُوفُ اسْمِ امْرَأَتِهِ تُقَارِبُ حُرُوفَ طَالِقٍ، كَطَالِعٍ وَطَالِبٍ، وَطَارِقٍ، فَقَالَ: يَا طَالِقُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: يَا طَارِقُ، أَوْ يَا طَالِعُ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ بِلِسَانِي، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute