للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّبَبُ الثَّالِثُ: اخْتِلَالُ الْعَقْلِ: فَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُتَعَدٍّ فِيهِ، كَجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ أُوجِرَ خَمْرًا، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَشْرُوبَ مِنْ جِنْسِ مَا يُسْكِرُ، أَوْ شَرِبَ دَوَاءً يُزِيلُ الْعَقْلَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. وَلَوْ تَعَدَّى بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَسَكِرَ، أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ يُجَنِّنُ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ فَزَالَ عَقْلُهُ فَطَلَّقَ، وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ، فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا يَقَعُ: الْمُزَنِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ، وَابْنُهُ سَهْلٌ، وَأَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ فِي شُرْبِ الدَّوَاءِ الْمَذْكُورِ. وَإِنْ وَقَعَ فِي السُّكْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ كُلِّهَا، مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمَا فِي أَقْوَالِهِ كُلِّهَا، كَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ، وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ، وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا.

وَأَمَّا أَفْعَالُهُ، كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَغَيْرِهِمَا، فَكَأَفْعَالِ الصَّاحِي قَطْعًا لِقُوَّةِ الْأَفْعَالِ. وَقِيلَ: هُمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَالْجِنَايَاتِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَقِيلَ: هُمَا فِيمَا هُوَ لَهُ كَالنِّكَاحِ وَالْإِسْلَامِ، أَمَّا مَا عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَالضَّمَانِ، أَوْ لَهُ وَعَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَيَصِحُّ قَطْعًا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ.

فَرْعٌ

اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ فِي حَدِّ السَّكْرَانِ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ. وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ. وَعَنِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّهُ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَبَيْنَ أُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ. وَقِيلَ: الَّذِي يُفْصِحُ بِمَا كَانَ يَحْتَشِمُ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>