ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إِطْلَاقُ الْخِلَافِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الِالْتِمَاسِ وَالِاسْتِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ. وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُ، فَقَدْ قِيلَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: نَعَمْ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِصَرِيحٍ قَطْعًا، لِأَنَّ (نَعَمْ) مُتَعَيِّنٌ لِلْجَوَابِ، وَقَوْلُهُ: طَلَّقْتُ، مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً: طَلَّقْتُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَا طَلَاقَ.
فَرْعٌ
قِيلَ لَهُ: أَلَكَ زَوْجَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَدْ نُصَّ فِي «الْإِمْلَاءِ» أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ، وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ إِنْشَاءً، وَلَا بَأْسَ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ السَّائِلِ مُسْتَخْبِرًا أَوْ مُلْتَمِسًا الْإِنْشَاءَ، كَمَا قَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، لِأَنَّا ذَكَرْنَا فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ مُبْتَدِئًا: لَسْتِ بِزَوْجَةٍ لِي، كَانَ كِنَايَةً عَلَى الْأَصَحِّ، وَذَكَرُوا وَجْهَيْنِ، فِي أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ، أَمْ كِنَايَةٌ؟ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: هُوَ صَرِيحٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْيَ فَائِدَةِ الزَّوْجَاتِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ، وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ مُشِيرًا إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: لَا، فَهَذَا أَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ إِقْرَارًا بِالطَّلَاقِ.
قِيلَ: أَطَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِالطَّلَاقِ، لِاحْتِمَالِ التَّعْلِيقِ، أَوِ الْوَعْدِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ خُصُومَةٍ تَئُولُ إِلَيْهِ، وَلَوْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قُبِلَ. وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ ثَلَاثٍ، فَفُسِّرَ بِوَاحِدَةٍ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يُفَسَّرْ بِشَيْءٍ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ ثَلَاثٍ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ وَاحِدَةٍ، فَلَا، لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا طَلَاقَ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ نَظَرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute