للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّوْمَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى الْإِطْعَامِ بِهَذَا الْمَرَضِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي [بِأَنَّ الْمَرَضَ] الْمَرْجُوَّ الزَّوَالِ كَالْمَالِ الْغَالِبِ، فَلَا يَعْدِلُ بِسَبَبِهِ إِلَى الْإِطْعَامِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِطْعَامَ مَعَ رَجَاءِ الزَّوَالِ، فَأَطْعَمَ ثُمَّ زَالَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ إِلَى الصِّيَامِ. وَإِنِ اعْتَبَرْنَا كَوْنَهُ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ اتَّفَقَ زَوَالُهُ نَادِرًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِمَا إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ فَزَالَ.

قُلْتُ: صَرَّحَ كَثِيرُونَ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَرَضِ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ آخَرُونَ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِنْ كَانَ عَجْزُهُ بِهَرَمٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ مُتَأَبِّدٌ، فَلَهُ الْإِطْعَامُ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَجْزِ بِالْمَرَضِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَعْجِيلِ الْإِطْعَامِ وَبَيْنَ انْتِظَارِ الْبِرِّ لِلتَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَجْزُهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ غَالِبَةٌ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَلَهُ فِي الْحَالَيْنِ الْإِطْعَامُ، وَكَذَا الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى صَوْمِ شَهْرٍ فَقَطْ، أَوْ عَلَى صَوْمِ شَهْرَيْنِ بِلَا تَتَابُعٍ، فَلَهُ الْعُدُولُ إِلَى الْإِطْعَامِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي «بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ» : لَوْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ وَلَمْ يَمْلِكْ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا ثَلَاثِينَ مُدًّا، أَوْ مُدًّا وَاحِدًا، لَزِمَهُ إِخْرَاجُهُ بِلَا خِلَافٍ، إِذْ لَا بُدَّ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ مُدٍّ، فَفِيهِ احْتِمَالٌ، هَذَا كَلَامُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِوُجُوبِ بَعْضِ الْمُدِّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُدِّ.

قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي «كِتَابِ الصِّيَامِ» : إِذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْإِطْعَامِ، وَقُلْنَا: يَسْقُطُ عَنِ الْعَاجِزِ، فَفِي سُقُوطِهَا عَنْ هَذَا وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَسْقُطُ، أَخْرَجَ الْمَوْجُودَ، وَفِي ثُبُوتِ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>