وَأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ نَفَى وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يَتْبَعْهُ الْمَنْفِيُّ فِي الْإِسْلَامِ. وَلَوْ مَاتَ وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الذِّمِّيُّ الَّذِي أَسْلَمَ، ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِسْلَامُهُ، وَاسْتَرَدَّ الْمَالَ وَصُرِفَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ إِذَا كَانَ قَدْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشٍ صَحِيحٍ، لَوِ اسْتَلْحَقَهُ غَيْرُهُ، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوِ اسْتَلْحَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفِيَهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ نَفَاهُ، فَحَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ بَاقٍ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ، وَلَوْ كَانَ يُلْحِقُهُ نَسَبَهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَنَفَاهُ فَاسْتَلْحَقَهُ غَيْرُهُ، لَحِقَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ - سُمِعَتْ دَعْوَاهُ.
السَّابِعَةُ: فِيمَا جُمِعَ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ سُقُوطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنِ الْقَاذِفِ وَعَدَمَ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: إِذَا أَقَامَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفَةِ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا، وَقُلْنَا الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمُرَادُهُ مَا سِوَى صُورَةِ التَّلَاعُنِ، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا تَلَاعَنَا، انْدَفَعَ الْحَدَّانِ. وَهُنَا صُورَةٌ رَابِعَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا الْحَدَّانِ، وَهِيَ إِذَا أَقَامَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَقْذُوفُ عَنِ الْإِقْرَارِ، سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْقَاذِفِ، فَلَا يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ.
قُلْتُ: مُرَادُ الْقَفَّالِ: لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا (وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ) إِلَّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْأُخْرَيَانِ، لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِمَا حَدُّ الزِّنَا، ثُمَّ سَقَطَ بِلِعَانِهَا أَوْ بِالرُّجُوعِ. وَلِهَذَا قَالَ: وَعَدَمُ حَدِّ الزِّنَا عَنِ الْمَقْذُوفِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَسُقُوطُ حَدِّ الزِّنَا، كَمَا قَالَ: سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ وَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُوَلَيَيْنِ، وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الزِّنَا إِلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ. وَالْمُرَادُ: السُّقُوطُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، لَا بِعَفْوٍ وَنَحْوِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute