وَقِيلَ: وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ مَعًا. وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَالْقَفَّالُ: فِي وُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ قَوْلَانِ، كَمَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا، فَإِنْ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالِاسْتِئْنَافِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاقِ، فَلَا تُبْنَى عِدَّةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَظْهَرُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ، وَيَجْرِي الطَّرِيقَانِ فِي سَائِرِ الْفُسُوخِ، مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ عَبْدٌ أَمَةً ثُمَّ يُطَلِّقَهَا رَجْعِيًّا، ثُمَّ تَعْتِقَ هِيَ وَيُفْسَخَ النِّكَاحُ.
فَرْعٌ
إِذَا طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا عَلَى عِوَضٍ، أَوْ خَالَعَهَا، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَنُقِلَ فِي «الْمُهَذَّبِ» عَنِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا غَرِيبٌ. فَإِذَا نَكَحَهَا، فَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ عِدَّتُهَا مَا لَمْ يَطَأْهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي الْعِدَّةِ جَاهِلًا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ نِكَاحَهُ صَحِيحٌ، وَزَوْجَتُهُ الْمُبَاحَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّجْدِيدِ، نُظِرَ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ، لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ جَدِيدٌ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الرَّجْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَعُودُ بِالرَّجْعَةِ إِلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ.
وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، لَزِمَهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ، وَتَدْخُلُ فِي الْعِدَّةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْهَا بَعْدَ التَّجْدِيدِ، فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَكْفِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute