الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِيمَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا، فِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: لَا تَصِيرُ الْأَمَةُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ، فَلَوْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ وَخَلَا بِهَا، فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، لَمْ يَلْحَقْهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ وَالْوَلَدُ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْأَمَةُ فِرَاشًا إِذَا وَطِئَهَا، فَإِذَا أَتَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ بِوَلَدٍ لِزَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، لَحِقَهُ وَيُعْرَفُ الْوَطْءُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ.
فَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالْوَطْءِ، فَإِنِ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ بَعْدَ الْوَطْءِ، نُظِرَ، إِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَالِاسْتِبْرَاءُ لَغْوٌ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ. فَلَوْ أَرَادَ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، فَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ خِلَافٌ وَتَخْرِيجٌ. فَلَوْ أَنْكَرَتِ الِاسْتِبْرَاءَ، فَهَلْ يَحْلِفُ السَّيِّدُ، أَمْ يُصَدَّقُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، أَنَّهُ يَحْلِفُ. فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، أَمْ يُضَمُّ إِلَيْهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، أَمْ يَكْفِي الْحَلِفُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي نَفْيِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا الثَّالِثُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ، أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا، جَازَ لَهُ نَفْيُهُ وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ، لَا عَلَى سَبِيلِ اللِّعَانِ.
وَإِذَا حَلَفَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَهَلْ يَقُولُ: اسْتَبْرَأْتُهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادَتِهَا هَذَا الْوَلَدَ، أَمْ يَقُولُ: وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَائِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ نَكَلَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْحَقُهُ بِنُكُولِهِ. وَالثَّانِي: تَحْلِفُ الْأَمَةُ، فَإِنْ نَكَلَتْ تَوَقَّفْنَا إِلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لَحِقَ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ادَّعَتِ الْوَطْءَ وَأُمِّيَّةَ الْوَلَدِ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنَّمَا حَلَفَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّسَبِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ بِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، لَمْ يَحْلِفْ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّالِثَةُ: أَقَرَّ بِالْوَطْءِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَلْحَقُهُ كَوَلَدِ الزَّوْجَةِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَقُهُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يَلْحَقُ السَّيِّدَ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، هَلْ يَلْحَقُهُ الثَّانِي، لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشُهُ فَيَلْحَقُهُ أَوْلَادُهَا كَالزَّوْجَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute