للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالنَّصَارَى - وَلَا يَلْحَقُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى - فَإِنْ أَلْحَقْنَا غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْيَقِينِ، وَاشْتَبَهَ إِنَاءٌ طَاهِرٌ بِإِنَاءٍ الْغَالِبُ فِي مِثْلِهِ النَّجَاسَةُ، اجْتَهَدَ فِيهِمَا. وَإِنْ رَجَّحْنَا الْأَصْلَ ; فَهُمَا طَاهِرَانِ، وَرُبَّمَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ النَّجَاسَةُ، لَكِنْ لَهُ شَرْطٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ غَلَبَةُ الظَّنِّ مُسْتَنِدَةً إِلَى كَوْنِ الْغَالِبِ فِي مِثْلِهِ النَّجَاسَةَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ، حَتَّى لَوْ رَأَى ظَبْيَهُ تَبُولُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ، فَجَاءَهُ، فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، وَشَكَّ ; هَلْ تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ، أَمْ بِغَيْرِهِ؟ ، فَهُوَ نَجِسٌ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

قُلْتُ: الْجُمْهُورُ حَكَمُوا بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنْ كَانَ عَهِدَهُ عَنْ قُرْبٍ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، فَهُوَ النَّجِسُ. وَإِنْ لَمْ يَعْهَدْهُ أَصْلًا، أَوْ طَالَ عَهْدُهُ، فَهُوَ طَاهِرٌ، لِاحْتِمَالِ التَّغَيُّرِ بِطُولِ الْمُكْثِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ اخْتَصَرَ هَذَا الْبَابَ جِدًّا، وَتَرْكَ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ. وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أُشِيرُ إِلَى مُعْظَمِ مَا تَرَكَهُ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْمُشْتَبَهَيْنِ مِنَ الطَّعَامَيْنِ، وَالدُّهْنَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا، فِي الْجِنْسِ، وَالْجِنْسَيْنِ، كَلَبَنٍ وَخَلٍّ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا، وَثَوْبٍ وَتُرَابٍ، وَطَعَامٍ وَمَاءٍ، وَلَنَا وَجْهٌ مُنْكَرٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسَيْنِ. حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَلَّطَهُ، وَلَوِ اشْتَبَهَ لَبَنَانِ وَمَعَهُ ثَالِثٌ مُتَيَقَّنُ الطَّهَارَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إِلَى شُرْبِهِ، جَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا، وَإِنِ اضْطُرَّ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَاءَيْنِ وَمَعَهُ ثَالِثٌ. وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِنَجَاسَةِ أَحَدِ الْمُشْتَبَهَيْنِ بِعَيْنِهِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ، عَمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزِ الِاجْتِهَادُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إِنَاءَانِ، فَقَالَ عَدْلٌ: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ، وَقَالَ آخَرُ: فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا، حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ، فَإِنْ عَيَّنَا وَقْتًا بِعَيْنِهِ، عَمِلَ بِقَوْلِ أَوْثَقِهِمَا عِنْدَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. فَإِنِ اسْتَوَيَا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْقِطُ خَبَرَهُمَا، وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِمَا، وَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>