الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحَضَانَةِ
هِيَ الْقِيَامُ بِحِفْظِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ بِمَا يُصْلِحُهُ، وَوِقَايَتِهِ عَمَّا يُؤْذِيهِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ، لَكِنَّهَا بِالْإِنَاثِ أَلْيَقُ، لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقَ، وَأَهْدَى إِلَى التَّرْبِيَةِ، وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ. وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ، كَالنَّفَقَةِ، وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ طَلَبُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا، وَفِي الْبَابِ طَرَفَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي صِفَاتِ الْحَاضِنِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنْ كَانَ أَبُو الطِّفْلِ عَلَى النِّكَاحِ، فَالطِّفْلُ مَعَهُمَا يَقُومَانِ بِكِفَايَتِهِ، الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ، وَالْأُمُّ بِالْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَإِنَّ تَفَرَّقَا بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَالْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ إِنْ رَغِبَتْ فِيهَا، لَكِنْ لِاسْتِحْقَاقِهَا شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: كَوْنُهَا مُسْلِمَةً، إِنْ كَانَ الطِّفْلُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَهَا الْحَضَانَةُ، وَقِيلَ: الْأُمُّ الذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الْأَبِ الْمُسْلِمِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا حَضَانَتُهُ لِأَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَحَضَانَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُؤْنَةُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَعَلَى أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَلَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute