مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا بِالْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَالزَّمَانِ حَرًّا وَبَرْدًا، وَإِنْ لَمْ تَمْضِ هَذِهِ الْمُدَّةُ، وَمَاتَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ سَابِقٌ، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَعْضُ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا: أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ الْحَابِسُ جُوعَهُ السَّابِقَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِي: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالثَّالِثُ: عَكْسُهُ، وَشَبَّهُوا الْجَاهِلَ بِمَنْ دَفَعَ رَجُلًا دَفْعًا خَفِيفًا، فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهُ، وَالدَّافِعُ جَاهِلٌ بِهَا، لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ وَجَبَتْ دِيَةُ عَمْدٍ بِكَمَالِهَا إِنْ كَانَ عَالِمًا، وَدِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ إِنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِنْ لَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ، فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: تَجِبُ الدِّيَةُ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ، وَأَظْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: تَجِبُ نِصْفُ دِيَةِ الْعَمْدِ أَوْ شِبْهِ الْعُمَدِ. وَلَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ دُونَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَأْكُلِ الْمَحْبُوسُ خَوْفًا مِنَ الْعَطَشِ، فَمَاتَ، فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا، وَلَا ضَمَانَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ، لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَجِبُ، وَلَوْ حَبَسَهُ، وَرَاعَاهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا، ضَمِنَهُ بِالْيَدِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا، فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا، سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِانْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِلَسْعِ حَيَّةٍ وَنَحْوِهَا. وَلَوْ حَبَسَهُ وَعَرَّاهُ حَتَّى مَاتَ بِالْبَرْدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ، وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَلَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ، أَوْ شَرَابَهُ، أَوْ ثِيَابَهُ فِي مَفَازَةٍ، فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا، أَوْ بَرْدًا، فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا.
فَرْعٌ
لَوْ سَحَرَ رَجُلًا، فَمَاتَ، سَأَلْنَاهُ، فَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي، وَسِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ يَقْتُلُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ، فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute