رَجُلٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلُهُ قِصَاصًا، أَوْ بِرِدَّةٍ، أَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَحَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَقَتَلَهُ بِمُقْتَضَاهَا، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا، لَزِمَهُمُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ شَهِدُوا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ قِصَاصًا، أَوْ فِي سَرِقَةٍ، فَقُطِعَ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا، لَزِمَهُمُ الْقَطْعُ، وَإِنْ سَرَى فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَإِنْ رَجَعَ الشُّهُودُ وَقَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا، أَوْ رَجَعَ الْمُزَكِّي أَوِ الْقَاضِي أَوِ الْوَالِي وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الشُّهُودِ، فَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلِّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ بِالرُّجُوعِ وَاعْتِرَافِهِمْ بِالتَّعَمُّدِ، لَا بِكَذِبِهِمْ، حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُمْ بِأَنْ شَاهَدْنَا الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ حَيًّا، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا، وَلَا يَلْزَمُهُمُ الْقِصَاصُ بِالرُّجُوعِ إِلَّا إِذَا أَخْرَجَتْ شَهَادَتُهُمْ مُبَاشَرَةَ الْوَلِيِّ عَنْ كَوْنِهَا عُدْوَانًا، أَمَّا إِذَا اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِكَذِبِهِمْ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ، رَجَعُوا أَمْ لَمْ يَرْجِعُوا.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا يُوَلِّدُهَا تَوْلِيدًا عُرْفِيًّا، كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ، فَإِذَا أَوْجَرُوهُ سُمًّا صِرْفًا، أَوْ مَخْلُوطًا وَهُوَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، سَوَاءٌ كَانَ مُوحِيًا أَوْ غَيْرَ مُوحٍ، فَمَاتَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ يَقْتُلُ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا: إِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ لِلسُّمِّ نِكَايَةً فِي الْبَاطِنِ كَالْجُرْحِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ كَانَ السُّمُّ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، لَكِنْ أَوْجَرَهُ ضَعِيفًا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا، وَجَبَ الْقِصَاصُ.
وَلَوْ قَالَ الْمُؤْجِرُ: كَانَ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤْجِرِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ سَاعَدَتْهُ بَيِّنَةٌ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَقُولُهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ هَذَا السُّمِّ الْحَاضِرِ، وَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ، فَهَلْ يُصَدَّقُ الْمُؤْجِرُ؟ قَوْلَانِ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute