فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقًّا، أَوْ يَعْرِفَ كَوْنَهُ ظُلْمًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ الْمَحْذُورَ، بِأَنِ اعْتِيدَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِمَامِ أَنَّ الْمَعْلُومَ هَلْ يُجْعَلُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ.
وَالْقِيَاسُ جَعْلُهُ كَالْمَلْفُوظِ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي أَمْرِ السُّلْطَانِ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ تَصْرِيحًا وَدَلَالَةً لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُلْطَانٌ لَا أَثَرَ لَهُ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِلَى خَوْفِ الْمَحْذُورَ.
فَرْعٌ.
لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُمَيِّزًا لَا يَرَى طَاعَةَ السَّيِّدِ وَاجِبَةً فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ سِوَى الْإِثْمِ.
فَإِنْ عَفَا، أَوْ كَانَ مُرَاهِقًا، تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ، فَأَتْلَفَهُ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ، أَوْ مَجْنُونًا ضَارِيًا، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَرَى طَاعَةَ السَّيِّدِ وَاجِبَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَ كَالْآلَةِ، وَالْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ عَلَى السَّيِّدِ.
وَفِي تَعَلُّقِ الْمَالِ بِرَقَبَةِ مِثْلِ هَذَا الْعَبْدِ، وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَغْرَى بَهِيمَتَهُ عَلَى إِنْسَانٍ فَقَتَلَتْهُ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ.
وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ، وَيُسَارِعُ إِلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ، فَبِيعَ فِيهِ، فَعَلَى الْآمِرِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ، وَإِذَا لَمْ تَفِ قِيمَتُهُ بِالْوَاجِبِ، فَعَلَى الْآمِرِ الْبَاقِي.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآمِرُ السَّيِّدَ، وَلَيْسَ هَذَا التَّعَلُّقُ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ سَائِرِ الْعَبِيدِ، وَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيٌّ هَذَا الْعَبْدَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ، فَفَعَلَ، فَعَلَى الْآمِرِ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَلَا يَجِبُ إِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ فِي قَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute