حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ الْمَوْضِعِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ، لِأَنَّ الْحَيَّةَ تَنْفِرُ مِنَ الْآدَمِيِّ، وَالسَّبُعَ يَقْصِدُهُ فِي الْمَضِيقِ وَيَتَوَثَّبُ.
وَفِي الْمَوْضِعِ الْوَاسِعِ لَا يَقْصِدُهُ قَصْدَهُ فِي الْمَضِيقِ، إِنَّمَا يَقْصِدُهُ دَفْعُهُ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَالْفِرَارُ، فَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْحَيَّةَ إِنْ كَانَتْ تَقْصِدُ وَلَا تَنْفِرُ، فَهِيَ كَالسَّبُعِ، وَأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةُ الطِّبَاعِ، وَأَنَّ السَّبُعَ إِذَا كَانَ ضَارِيًا شَدِيدَ الْعَدْوِ وَلَا يَتَأَتَّى الْهَرَبُ مِنْهُ فِي الصَّحْرَاءِ.
وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَجَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا بَيَانًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتِدْرَاكًا، وَأَمَّا الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفًا فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيَّةٍ فِي بَيْتٍ، وَجَبَ الْقِصَاصُ كَالسَّبُعِ، وَقَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي السَّبُعِ، وَهُمَا غَرِيبَانِ.
وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ فِي الْحَيَّةِ وَالسَّبُعِ فَذَلِكَ إِذَا قَتَلَ فِي الْحَالِ، أَوْ جَرَحَ جِرَاحَةً تَقْتُلُ غَالِبًا، أَمَّا إِذَا جَرَحَهُ جُرْحًا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَكَأَنَّ تِلْكَ الْجِرَاحَةَ صَدَرَتْ مِنَ الْمُغْرِي.
وَإِذَا أَمْكَنَ الْمُغْرَى عَلَيْهِ الْفِرَارُ، فَلَمْ يَفِرَّ، قَالَ الْإِمَامُ: هُوَ كَتَرْكِ السِّبَاحَةِ، وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي فِي ذَلِكَ كَالسَّبُعِ، وَلَوْ رَبَطَ فِي دَارِهِ كَلْبًا عَقُورًا، وَدَعَا إِلَيْهَا رَجُلًا، فَافْتَرَسَهُ الْكَلْبُ، فَلَا قِصَاصَ وَلَا ضَمَانَ.
وَلَمْ يُجْعَلْ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الدِّهْلِيزِ وَتَغْطِيَةِ رَأْسِهَا، لِأَنَّ الْكَلْبَ يَفْتَرِسُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِعَصًا وَسِلَاحٍ.
الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فِي اجْتِمَاعِ مُبَاشَرَتَيْنِ:
فَإِذَا صَدَرَ فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ مِنْ شَخْصَيْنِ، نُظِرُ، إِنْ وُجِدَا مَعًا، فَهُمَا قَاتِلَانِ، سَوَاءٌ كَانَا مُذَفَّفَيْنِ بِأَنْ حَزَّ أَحَدُهُمَا رَقَبَتَهُ، وَقَدَّهُ الْآخَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute