سَبَقَ فِي فَصْلِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا دِيَةَ عَلَى الْأَظْهَرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا دِيَةَ، وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ تَبَعًا.
الثَّانِيَةُ: قَطَعَ عُضْوَ زَيْدٍ، كَيَدِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ، فَعَفَا عَنْ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ قَوَدًا أَوْ أَرْشًا، فَلِلْجِنَايَةِ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ تَنْدَمِلَ، فَلَا قِصَاصَ وَلَا أَرْشَ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَجِبُ أَرْشُهُ، وَسَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عَفَوْتُ عَنْ مُوجِبِهَا، أَوْ قَالَ: وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ.
وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَزِدْ، نَصَّ فِي «الْأُمِّ» أَنَّهُ عَفْوٌ عَنِ الْقِصَاصِ، وَعَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا: مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ فَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، فَفِي بَقَاءِ الدِّيَةِ احْتِمَالَانِ لِلرُّويَانِيِّ.
الثَّانِي: أَنْ يَسْرِيَ الْقَطْعُ إِلَى النَّفْسِ، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ، كَمَا لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ، وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ سَلِمَةَ وُجُوبُ قِصَاصِ النَّفْسِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَفْوِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فَقَطْ، لِسُقُوطِ نَصِفِهَا بِالْعَفْوِ عَنِ الْيَدِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَأَمَّا الْمَالُ، فَهُوَ قَسْمَانِ، أَرْشُ الْيَدِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إِلَى تَمَامِ الدِّيَةِ، فَأَمَّا أَرْشُ الْيَدِ، فَيُنْظَرُ، إِنْ جَرَى لَفْظُ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ، وَفِيهَا الْقَوْلَانِ، فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا، لَزِمَهُ أَرَشُ الْيَدِ، وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، سَقَطَ الْأَرْشُ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ.
وَإِنْ جَرَى لَفْظُ الْعَفْوِ أَوِ الْإِبْرَاءِ أَوِ الْإِسْقَاطِ، بِأَنْ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ أَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، أَوْ أَبْرَأْتُهُ، أَوْ أَسْقَطْتُهُ، فَقِيلَ: هُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ، فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ نَاجِزٌ.
وَالْوَصِيَّةُ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَإِنْ قَالَ: وَمَا يَحْدُثُ، نُظِرَ، إِنْ قَالَهُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا، أَوْ يَتَوَلَّدُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute