وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَافَةَ الرُّجُوعِ لَا تُحْسَبُ، فَلَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ لَا ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا، وَإِنْ كَانَ يَنَالُهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا كَانَ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. وَيُشْتَرَطُ عَزْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَيَنْصَرِفُ مَتَى لَقِيَهُ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْهَائِمِ: فَإِذَا وَجَدَهُ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، يُرَخَّصُ إِذَا ارْتَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. فَلَوْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ، فَلَوْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ الْغَرِيمَ رَجَعَ نَظَرَ: إِنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ لَمْ يَتَرَخَّصْ، وَبَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَجِدْهُ فَإِذَا وَجَدَهُ صَارَ مُقِيمًا. وَكَذَا لَوْ نَوَى قَصْدَ مَوْضِعٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ وَسَطَ الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَقْصِدِ الثَّانِي مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَتَرَخَّصُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ تَرَخَّصَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ.
قُلْتُ: هَذَا إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَى دُونَهَا فَهُوَ سَفَرٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْقَصْرُ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ، وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا سَافَرَ الْعَبْدُ بِسَيْرِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةُ بِسَيْرِ الزَّوْجِ، وَالْجُنْدِيُّ بِسَيْرِ الْأَمِيرِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَقْصِدَهُمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ التَّرَخُّصُ. فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْجُنْدِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ، فَإِنْ عَرَفُوا مَقْصِدَهُمْ فَنَوَوْا فَلَهُمُ الْقَصْرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute