الْأَكْثَرُونَ: تَجِبُ حُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَغَيُّرُهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِدْرَاكِ. عَنِ الْمَاسَرْجَسِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ صَيَّادًا يَرَى الصَّيْدَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ.
وَإِنْ نَقَصَ ضَوْءُ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، عُصِبَتِ الْعَلِيلَةُ، وَأُطْلِقَتِ الصَّحِيحَةُ، وَوَقَفَ شَخْصٌ فِي مَوْضِعٍ يَرَاهُ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ حَتَّى يَقُولَ: لَا أَرَاهُ، فَتُعْرَفُ الْمَسَافَةُ، ثُمَّ تُعْصَبُ الصَّحِيحَةُ وَتُطْلَقُ الْعَلِيلَةُ، وَيُؤْمَرُ الشَّخْصُ بِأَنْ يُقَرِّبَ رَاجِعًا إِلَى أَنْ يَرَاهُ؛ فَيُضْبَطُ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ، وَيَجِبُ قِسْطُهُ مِنَ الدِّيَةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا الضَّبْطِ بِالزِّيَادَةِ فِي الصَّحِيحَةِ، وَبِالنَّقْصِ فِي الْعَلِيلَةِ، فَلَا يُؤْمَنُ كَذِبُهُ؛ فَيُمْتَحَنُ فِي قَوْلِهِ أَبْصَرَ فِي الصَّحِيحَةِ، بِأَنْ تُغَيَّرَ ثِيَابُ الشَّخْصِ الَّذِي يَبْعُدُ وَيَقْرُبُ، وَيُسْأَلُ عَنْهَا؛ فَيُنْظَرُ، أَيُصِيبُ أَمْ لَا، وَأَمَّا فِي الْعَلِيلَةِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يُمْتَحَنُ بِأَنْ تُضْبَطَ تِلْكَ الْغَايَةُ وَيُؤْمَرَ الشَّخْصُ بِأَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَدُورَ؛ فَإِنْ تَوَافَقَتِ الْغَايَةُ مِنَ الْجِهَاتِ صَدَّقْنَاهُ، وَإِلَّا كَذَّبْنَاهُ.
وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا الِامْتِحَانِ فِي نُقْصَانِ سَمْعِ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ، فَيُمْتَحَنُ فِي قَوْلِهِ: أَسْمَعُ بِالصَّحِيحَةِ، بِأَنْ يُغَيِّرَ الْمُنَادِي نِدَاءَهُ وَكَلَامَهُ، وَيَنْظُرَ، هَلْ يَقِفُ عَلَيْهِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا أَسْمَعُ بِالْعَلِيلَةِ، بِأَنْ يَنْتَقِلَ الْمُنَادِي إِلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ، وَإِذَا عُرِفَ تَفَاوُتُ مَسَافَتَيِ الْإِبْصَارِ؛ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ.
فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَبِالْعَلِيلَةِ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ؛ فَمُوجِبُهُ التَّنْصِيفُ؛ لَكِنْ لَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إِنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ، وَجَبَ ثُلْثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَا أَرَى ذَلِكَ يُضْبَطُ.
فَرْعٌ
الْأَعْشَى الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ لَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فَصَارَ أَعْشَى؛ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute