للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْكَرَ الْجَانِي، صَدَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْهُ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَيِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْرًا يُطَالِبُ بِهِ؛ وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ مَجْهُولًا، وَطَرِيقُهُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْأَقَلَّ الْمُتَيَقَّنَ، وَلَوْ أَخَذَ دِيَةَ الشَّمِّ وَعَادَ، وَجَبَ رَدُّهَا، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ عِنْدَ رَائِحَةٍ مُنْكَرَةٍ، فَقَالَ الْجَانِي: فَعَلْتَ ذَلِكَ لِعَوْدِ شَمِّكِ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، صَدَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُ اتِّفَاقًا، وَلِامْتِخَاطٍ، وَبِفِكْرٍ وَرُعَافٍ وَغَيْرِهَا.

الْخَامِسُ: النُّطْقُ، فَإِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَأَبْطَلَ كَلَامَهُ، وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ إِذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا يَعُودُ نُطْقُهُ؛ فَإِنْ أُخِذَتْ فَعَادَ اسْتُرِدَّتْ، وَلَوِ ادَّعَى ذَهَابَ النُّطْقِ، وَأَنْكَرَ الْجَانِي، قَالَ الْمُتَوَلِّي: يَفْزَعُ فِي أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ، وَيَنْظُرُ، هَلْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، حَلَفَ كَمَا يَحْلِفُ الْأَخْرَسُ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ.

وَلَوْ بَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ الْحُرُوفِ، وُزِّعَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ مَا خَفَّ مِنْهَا عَلَى اللِّسَانِ وَمَا ثَقُلَ، وَالْحُرُوفُ مُخْتَلِفَةٌ فِي اللُّغَاتِ، فَكُلُّ مِنْ تَكَلَّمَ بِلُغَةٍ؛ فَالنَّظَرُ عِنْدَ التَّوْزِيعِ إِلَى حُرُوفِ تِلْكَ اللُّغَةِ.

فَلَوْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ، فَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ حُرُوفٌ مِنْ هَذِهِ وَحُرُوفٌ مِنْ تِلْكَ، فَهَلْ تُوَزَّعُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَمْ عَلَى أَقَلِّهِمَا؟ وَجْهَانِ، ثُمَّ فِي الْحُرُوفِ الْمُوَزَّعِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّ التَّوْزِيعَ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِهَا، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ؛ فَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهَا، وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ ذَهَبَ حَرْفٌ فَأَكْثَرَ، وَجَبَ لِكُلِّ حِرَفٍ سُبْعُ رُبُعِ الدِّيَةِ.

وَالثَّانِي؛ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يَدْخُلُ فِي التَّوْزِيعِ الْحُرُوفُ الشَّفَهِيَّةُ، وَهِيَ الْبَاءُ وَالْفَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ، وَلَا الْحَلْقِيَّةُ وَهِيَ الْهَاءُ وَالْهَمْزَةُ، وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ، وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ؛ وَإِنَّمَا التَّوْزِيعُ عَلَى الْحُرُوفِ الْخَارِجَةِ مِنَ اللِّسَانِ وَهِيَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَاتِ، هَذَا إِذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْحُرُوفِ، وَبَقِيَ فِي الْبَقِيَّةِ كَلَامٌ مَفْهُومٌ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْبَقِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>