لِأَنَّ قُدْرَتَهُ لِحِذْقِهِ لَا بِالْكَلَامِ؛ هَذَا إِذَا كَانَ نَقْصُ حُرُوفِهِ خِلْقَةً، أَوْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَوْ حَدَثَ بِجِنَايَةٍ؛ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ، لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَحَلٍّ نَاقِصِ الْمَنْفَعَةِ أَوِ الْجِرْمِ، أَمَّا الْمَنَافِعُ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ تَقَدَّرَ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ كَالْبَطْشِ وَالْبَصَرِ؛ فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِيهَا بِآفَةٍ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَبْطَلَهَا الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ، وَكَذَا مَنْ قَطَعَ الْعُضْوَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ ضَعْفُهَا وَقُوَّتُهَا.
وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِجِنَايَةٍ، فَأَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ بَلْ يُحَطُّ مِنْهَا قَدْرُ الْحُكُومَةِ الَّتِي غَرِمَهَا الْأَوَّلُ عَنْ مُبْطِلِ الْمَنْفَعَةِ وَقَاطِعِ الْعُضْوِ جَمِيعًا حِذَارًا مَنْ تَضَعُّفِ الْغَرَامَةِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَالثَّالِثُ لَا يُحَطُّ عَنْ قَاطِعِ الْجِرْمِ، وَيُحَطُّ عَنْ مُبْطِلِ الْمَنْفَعَةِ النَّاقِصَةِ لِتَجَانُسِ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْإِجْرَامُ، فَإِنْ كَانَ لَمَّا نَقَصَ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَزِمَ الثَّانِي دِيَةٌ يُحَطُّ مِنْهَا أَرْشُ مَا نَقَصَ، سَوَاءٌ حَصَلَ النَّقْصُ بِآفَةٍ أَمْ بِجِنَايَةٍ؛ فَلَوْ سَقَطَتْ أُصْبُعُهُ، أَوْ أُنْمُلَتُهُ بِآفَةٍ، ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ، حُطَّ مِنْ دِيَةِ الْيَدِ أَرْشُ الْأُصْبُعِ أَوِ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ جَرَحَ رَأْسَهُ مُتَلَاحِمَةً؛ فَجَعَلَهَا آخَرُ مُوضِحَةً، لَزِمَ الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ يُحَطُّ مِنْهُ وَاجِبُ الْمُتَلَاحِمَةِ، سَوَاءٌ قَدَّرْنَا وَاجِبَهَا، أَمْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْحُكُومَةَ، وَلَوِ الْتَأَمَتِ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَاكْتَسَى مَوْضِعُهَا بِالْجِلْدِ لَكِنْ بَقِيَ غَائِرًا، فَأَوْضَحَ فِيهِ آخَرُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْجُرْحِ قَدْ سَقَطَ؛ وَعَلَى مَنْ أَوْضَحَ أَرْشٌ كَامِلٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَا نَقَصَ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، كَفِلْقَةٍ تَنْفَصِلُ مِنْ لَحْمِ الْأُنْمُلَةِ، فَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْمَنْفَعَةِ، لَمْ تَنْقُصْ بِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ وَجَبَ فِيهِ حُكُومَةٌ لِلشَّيْنِ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِآفَةٍ أَمْ بِجِنَايَةٍ وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ حَصَلَ بِآفَةٍ لَمْ تَنْقُصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute