عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى لَمْ تَسْتَقِرَّ وَقَدْ أَوْجَبْنَا نِصْفَ الْقِيمَةِ؛ فَكَأَنَّهُ انْتَقَصَ نِصْفَ الْقِيمَةِ، فَلَوْ قَطَعَ الْوَاحِدُ يَدَيِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَسِرْ؛ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ اثْنَانِ، هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ كُلَّ قَاطِعٍ مَا نَقَصَ بِجِنَايَتِهِ. وَإِذَا قُطِعَتْ أَطْرَافُ عَبْدٍ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ، لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ ذَاهِبَ الْأَطْرَافِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ
فِيهِ خَمْسَةُ أَطْرَافٍ:
الْأَوَّلُ: السَّبَبُ، وَالْوَاجِبُ فِي إِهْلَاكِ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، كَمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ يَجِبُ بِالتَّسَبُّبِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَرَاتِبَ الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ أَثَرٌ فِي الْهَلَاكِ ثَلَاثٌ، وَهِيَ: الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ، وَضَابِطُهُ أَنْ يُقَالَ: مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ أَوْ عَقِبَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْهَلَاكِ؛ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْهَلَاكِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُؤَثِّرَ، فَإِنَّ تَوَقُّفَ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ عَلَيْهِ، كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي تَعَلَّقَتْ بِهِ الدِّيَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ، لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الدِّيَةُ، بَلِ الْمَوْتُ عِنْدَهُ اتِّفَاقِيٌّ، ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: صَفَعَهُ صَفْعَةً خَفِيفَةً، فَمَاتَ؛ فَلَا ضَمَانَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْهَلَاكِ.
الثَّانِيَةُ: صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ، فَارْتَعَدَ وَسَقَطَ وَمَاتَ مِنْهُ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ قَطْعًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ، وَمَنْ أَوْجَبَ يَدَّعِي أَنَّ التَّأَثُّرَ بِهِ غَالِبٌ، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَمَاتَ مِنَ الصَّيْحَةِ، فَقِيلَ: هُوَ كَالسُّقُوطِ مِنْ سَطْحٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.
وَلَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ وَنَحْوِهِ، فَسَقَطَ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ، وَفِي الضَّمَانِ أَوْجُهٌ؛ أَصَحُّهَا: لَا يَجِبُ، وَالثَّانِي: يَجِبُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ غَافَصَهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute