غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ رَجَاءَ السَّلَامَةِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ وَجَبَ الضَّمَانُ. وَقِيلَ: إِذَا أَلْقَى مَنْ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ مَتَاعَ نَفْسِهِ لِإِنْقَاذِ غَيْرِهِ؛ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، كَمَنْ أَطْعَمَ الْمُضْطَرَّ قَهْرًا. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ عَلَى أَنِّي أَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ فَأَلْقَاهُ فَعَلَى الْمُلْتَمِسِ ضَمَانُهُ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ؛ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ الْتِمَاسُ إِتْلَافٍ بِعِوَضٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا؛ فَأَعْتَقَ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْسَ هَذَا عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ وَإِنْ سُمِّيَ ضَمَانًا؛ وَلَكِنَّهُ بَذْلُ مَالٍ لِلتَّخْلِيصِ عَنِ الْهَلَاكِ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَطْلِقْ هَذَا الْأَسِيرَ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا؛ فَأَطْلَقَهُ، يَجِبُ الضَّمَانُ.
وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ: اعْفُ وَلَكَ كَذَا، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَطْعِمْ هَذَا الْجَائِعَ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَأَجَابَ: يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى؛ أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَأَلْقَاهُ؛ فَقِيلَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ خِلَافٌ؛ كَقَوْلِهِ: أَدِّ دَيْنِي. وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يَنْفَعُهُ قَطْعًا وَهَذَا قَدْ لَا يَنْفَعُهُ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُلْقَى قَبْلَ هَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ؛ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْمَالِ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ فَلَا تُجْعَلُ قِيمَةُ الْمَالِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْهَلَاكِ كَقِيمَةِ الْبَرِّ.
ثُمَّ إِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُلْتَمِسِ بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الِالْتِمَاسُ عِنْدَ خَوْفِ الْغَرَقِ؛ فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الْخَوْفِ فَلَا يَقْتَضِي الِالْتِمَاسُ ضَمَانًا؛ سَوَاءٌ قَالَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اهْدِمْ دَارَكَ فَفَعَلَ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا تَخْتَصَّ فَائِدَةُ الْإِلْقَاءِ بِصَاحِبِ الْمَتَاعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فَائِدَةَ التَّخْلِيصِ بِإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ تُتَصَوَّرُ فِي صُوَرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute