يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ بَذْلُ الدَّنَانِيرِ بِأَعْيَانِهِمَا، لِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبُ فِي الدِّيَةِ، وَمَا يُؤْخَذُ يُصْرَفُ إِلَى الْإِبِلِ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا؛ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ: عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ دَرَاهِمَ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قَدْ سَبَقَ بَيَانُ تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَالْجِهَاتِ، وَقَدْرُ الْوَاجِبِ؛ فَإِذَا انْتَهَى التَّحَمُّلُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ؛ فَهَلْ يُؤْخَذُ الْوَاجِبُ مِنَ الْجَانِي؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوَّلًا أَمْ عَلَى الْجَانِي، ثُمَّ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ؛ أَصَحُّهُمَا: تُؤْخَذُ مِنَ الْجَانِي؛ فَإِنْ قُلْنَا: لَا تُؤْخَذُ؛ فَفِي وَجْهٍ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَنَفَقَةِ الْفُقَرَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ هَذَا.
لَكِنْ لَوْ حَدَثَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْوَاجِبُ؟ وَجْهَانِ؛ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ؛ أَحَدُهُمَا: لَا، كَمَا لَا يُطَالَبُ فَقِيرُ الْعَاقِلَةِ لِغِنَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَإِنْ قُلْنَا: تُؤْخَذُ مِنَ الْجَانِي؛ فَهِيَ مُؤَجَّلَةٌ عَلَيْهِ كَالْعَاقِلَةِ، وَهَلْ تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، وَالثَّانِي: نَعَمْ، وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْقَاتِلِ.
فَرْعٌ
إِذَا اعْتَرَفَ الْجَانِي بِالْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَصَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ؛ فَعَلَيْهِمُ الدِّيَةُ؛ وَإِنْ كَذَّبُوهُ؛ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لَكِنْ يَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ فَإِذَا حَلَفُوا؛ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ قَطْعًا.
وَعَنِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ الدِّيَةُ أَوَّلًا عَلَى الْعَاقِلَةِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَبْعُدُ هَذَا عَنِ الْقِيَاسِ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَتَتَأَجَّلُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ كَالْعَاقِلَةِ؛ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ ثُلْثُ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ مِنَ الْعَاقِلَةِ؛ فَلَوْ مَاتَ، فَهَلْ تَحِلُّ الدِّيَةُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّ الْأَجَلَ يُلَازِمُ دِيَةَ الْخَطَأِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute