مَعْرِضِ الشَّهَادَةِ، فَيَنْظُرُ إِنْ تَمَّ الْعَدَدُ وَثَبَتُوا، أُقِيمَ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَرْمِيِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، وَهُوَ نَصُّهُ قَدِيمًا وَجَدِيدًا ; لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا، وَلِئَلَّا تُتَّخَذَ صُورَةُ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إِلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ.
وَلَوْ شَهِدَ عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ زَوْجُهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ، فَالزَّوْجُ قَاذِفٌ ; لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَوْ ذِمِّيُّونَ أَوْ عَبِيدٌ، أَوْ فِيهِمُ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ قَذْفَةٌ فَيُحَدُّونَ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَقْصِدُوا إِلَّا الْعَارَ، وَقِيلَ: فِيهِمُ الْقَوْلَانِ، وَصَوَّرَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إِذَا كَانُوا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا عَلِمَ حَالَهُمْ لَا يُصْغِي إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ قَذْفًا مَحْضًا لَا فِي مَعْرِضِ شَهَادَةٍ.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةُ فُسَّاقٍ، أَوْ فِيهِمْ فَاسِقٌ، نُظِرَ إِنْ كَانَ فِسْقُهُمْ مَقْطُوعًا بِهِ، كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ، فَقِيلَ: فِيهِمُ الْقَوْلَانِ، وَقِيلَ: لَا يُحَدُّونَ قَطْعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ ; لِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِسْقَهُمْ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ، وَالْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُمْ مُجْتَهَدًا فِيهِ، كَشُرْبِ النَّبِيذِ، لَمْ يُحَدُّوا قَطْعًا، وَفِي مَعْنَى الْفِسْقِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، مَا إِذَا كَانَ فِيهِمْ عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَاوَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَوْ حَدَدْنَا الْعَبِيدَ الَّذِينَ شَهِدُوا، فَعَتِقُوا وَأَعَادُوا الشَّهَادَةَ، قُبِلَتْ، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، فَحَدَدْنَا مَنْ شَهِدَ، ثُمَّ عَادَ مَنْ يَتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ فَشَهِدُوا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا، لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُوَ فِيمَنْ شَهِدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَمَّا مَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، فَقَاذِفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute