للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى، وَيَجْرِي أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ مُفَصَّلَةٌ يَثْبُتُ مُثُلُهَا فِي السَّرِقَةِ، فَقَالَ السَّارِقُ: كَانَ أَبَاحَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ لِي، وَاعْتَمَدَ الشُّهُودُ ظَاهِرَ الْحَالِ، أَمَّا إِذَا قَالَ: لَمْ يَزَلْ مِلْكِي وَكَانَ غَصَبَنِيهِ، أَوْ قَالَ: مَا سَرَقْتُ أَصْلًا، فَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الشُّهُودِ وَيُكَذِّبُهُمْ، فَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى الَّتِي لَا تُكَذِّبُهُمْ مُسْقَطَةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ بِدَعْوَى السَّارِقِ الْمِلْكَ مَا إِذَا حَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَلَى نَفْيِ الْمِلْكِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، أَمَّا لَوْ نَكَلَ حَلَفَ وَحَلَفَ السَّارِقُ، فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ أَيْضًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، فَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا، أَوْ كَلْبًا، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ، فَلَا قَطْعَ، سَوَاءٌ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ أَمْ ذِمِّيٌّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ الَّذِي فِيهِ الْخَمْرُ يُسَاوِي نِصَابًا، قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَوْلٌ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَطْعِ، وَطَرَدَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، وَطَرْدُهُمَا فِيمَا يُسْتَهَانُ بِهِ، كَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلِ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَلَوْ سَرَقَ آلَاتِ الْمَلَاهِي، كَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ، أَوْ صَنَمًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالتَّغْيِيرِ نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ بَلَغَهُ، قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمُ الْعِرَاقِيُّونَ والرُّويَانِيُّ ; لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ وَأَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ مِنَ الْمَلَاهِي فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِإِفْسَادِ آلَاتِ الْمَلَاهِي، وَيَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَى الدُّورِ لِكَسْرِهَا وَإِبْطَالِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا، فَهِيَ كَالْمَغْصُوبِ يُسْرَقُ مِنْ حِرْزِ الْغَاصِبِ، ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا قَصَدَ السَّرِقَةَ، أَمَّا إِذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِهَا أَنْ يَشْهَدَ تَغْيِيرَهَا وَإِفْسَادَهَا، فَلَا قَطْعَ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ كَسَرَ مَا أَخَذَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>