أَحَدُهَا وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ: لَا قَطْعَ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، وَسَوَاءٌ سَرَقَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَالثَّانِي: يُقْطَعُ، وَأَصَحُّهَا: التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ صَاحِبَ حَقٍّ فِي الْمَسْرُوقِ، بِأَنْ سَرَقَ فَقِيرٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مَالِ الْمَصَالِحِ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَقٍّ فِيهِ، كَالْغَنِيِّ، فَإِنْ سَرَقَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُصْرَفُ ذَلِكَ إِلَى عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِيرِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، أَمَّا إِذَا سَرَقَ ذِمِّيٌّ مَالَ الْمَصَالِحِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْطَعُ ; لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى إِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُنْفَقُ لِلضَّرُورَةِ، وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى انْتِفَاعِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ تَبَعًا، وَفِي وَجْهٍ: لَا قَطْعَ، وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيُّ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إِنْفَاقُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، قَالَ: وَهَذَا فِي مَالِ الْمَصَالِحِ، أَمَّا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ; لِأَنَّهُ إِرْثٌ لِلْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، وَلَوْ كُفِّنَ مُسْلِمٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَسَرَقَ نَبَّاشٌ كَفَنَهُ، قُطِعَ إِذَا لَمْ يَبْقَ لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فِيهِ حَقٌّ، كَمَا لَوْ كَسَاهُ حَيًّا.
الثَّالِثَةُ: إِذَا سَرَقَ سِتْرَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مُحْرَزٌ بِالْخِيَاطَةِ عَلَيْهِ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ، وَأَلْحَقُوا بَابَ الْمَسْجِدِ وَجِذْعَهُ وَتَأْزِيرَهُ وَسَوَارِيَهُ، فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ بِسَرِقَتِهَا، قَالُوا: وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا يُفْرَشُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي الْقَنَادِيلِ الْمُسْرَجَةِ ; لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ، وَالْقَنَادِيلُ الَّتِي لَا تُسْرَجُ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهَا إِلَّا الزِّينَةُ كَالْأَبْوَابِ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ، وَرَأَى الْإِمَامُ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِي الْأَبْوَابِ وَالسُّقُوفِ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ مُشْتَرَكٌ وَذَكَرَ فِي الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute