فَرْعٌ
قَالَ الْإِمَامُ: فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ» : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَارَفَ مُوجِبَ حَدٍّ إِظْهَارُهُ لِلْإِمَامِ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ إِذَا قُلْنَا: الْحَدُّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ: الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِظْهَارُ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ، وَإِنَّمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى قَوْلٍ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: الشَّهَادَةُ، فَيَثْبُتُ الْقَطْعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ شَاهِدٌ وَحَلَفَ الْمُدِّعِي مَعَهُ، ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ عُلِّقَ الطَّلَاقَ أَوِ الْعِتْقَ عَلَى غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ، فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى الْغَصْبِ أَوِ السَّرِقَةِ، ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: فِي ثُبُوتِ الْمَالِ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ شَهَادَةُ مُطَلَّقَةٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ بَيَانُ السَّارِقِ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ ذِكْرِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ إِنْ كَانَ غَائِبًا، وَيَكْفِي عِنْدَ حُضُورِهِ أَنْ يَقُولَ: سَرَقَ هَذَا، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ، هَذَا بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَسْرُوقَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ، وَكَوْنُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ بِتَعْيِينِ الْحِرْزِ أَوْ صِفَتِهِ. وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الشَّاهِدَ يَقُولُ أَيْضًا: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً. قَالَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» : وَلْيَكُنْ هَذَا تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَّفِقَ شَهَادَةُ الشَّاهِدِينَ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بُكْرَةً، وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ عَشِيَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَةِ كَبْشٍ أَبْيَضَ، وَالْآخَرُ بِكَبْشٍ أَسْوَدَ، فَهُمَا شَهَادَتَانِ عَلَى سَرِقَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute