وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ، وَالْإِمَامُ غَيْرُ مُصَلٍّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا. وَغَايَتُهُ أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فُرَادَى. وَالْمَنْعُ هُنَا أَقْوَى مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَجِّحُونَ لِلْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْجَمَاعَةِ، وَثُبُوتَ حُكْمِهَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ. وَقَالُوا: لَا يَمْنَعُ نَيْلَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ صَاحِبُ (الْبَيَانِ) : لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِأَرْبَعِينَ، فَبَانَ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ مُحْدِثُونَ، صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ نِسَاءً، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْهُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ. وَقِيَاسُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْمَنْعِ: أَنْ لَا تَصِحَّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ لِبُطْلَانِ الْجَمَاعَةِ.
الْحَالُ الْخَامِسُ: إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إِلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا، فَاقْتَدَى بِهِ إِنْسَانٌ فِيهَا، وَأَدْرَكَ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِسَهْوِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ، وَيَبْنِي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ مَحْسُوبَةً لِلْإِمَامِ كَالْمُحْدِثِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ كَافِرًا، أَوِ امْرَأَةً، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ، وَلَا تُحْسَبُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لِلْمَأْمُومِ. فَلَوْ جَرَى هَذَا فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَا يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ، لَمْ يُدْرِكْ بِهِ هُنَا الْجُمُعَةَ، وَلَا تُحْسَبُ عَنِ الظُّهْرِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: يُدْرِكُهَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، فَهَلْ تُحْسَبُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَدَّادِ: أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمُحْدِثِ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْجُمُعَةُ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِهِ مُنْعَقِدَةٌ، وَأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ يُحْسَبُ عَنِ الظُّهْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ الْحَالُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى قُرْبٍ، يُتِمُّهَا ظُهْرًا إِذَا جَوَّزْنَا بِنَاءَ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ. وَمُقْتَضَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ: الِانْعِقَادُ وَالِاحْتِسَابُ عَنِ الظُّهْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute