فَالْأَقْرَبِينَ إِذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَلْبِثُوا إِلَى لُحُوقِ الْآخَرِينَ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَرْكُوبِ فِيمَنْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفِيمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الِاشْتِرَاطُ، كَالْحَجِّ، وَالثَّانِي: لَا، لِشِدَّةِ الْخَطْبِ، وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَدُونِهَا وُجُودُ الزَّادِ عَلَى الْأَصَحِّ، إِذْ لَا اسْتِقْلَالَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِمُ الْخُرُوجَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ سَيُهْلَكُونَ، وَلَوْ نَزَلَ الْكُفَّارُ عَلَى خَرَابٍ، أَوْ جَبَلٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَعِيدٌ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْبُلْدَانِ، فَفِي نُزُولِهِ مَنْزِلَةَ دُخُولِ الْبَلْدَةِ وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا الْغَزَالِيُّ، وَالَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتَارَ هُوَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَشْرُفُ بِسَكَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَسْكَنًا لِأَحَدٍ، فَتَكْلِيفُ الْمُسْلِمِينَ التَّهَاوِي عَلَى الْمَتَالِفِ بَعِيدٌ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَيْفَ يَجُوزُ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَ إِمْكَانِ الدَّفْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا، أَوْ مُسْلِمَيْنِ، فَهَلْ هُوَ كَدُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ إِزْعَاجَ الْجُنُودِ لِوَاحِدٍ بَعِيدٌ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ النَّظَرِ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى قُرْبِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَتَوَقَّعْنَا اسْتِخْلَاصَ مَنْ أَسَرُوهُ لَوْ طِرْنَا إِلَيْهِمْ، فَعَلْنَا، وَإِنْ تَوَغَّلُوا فِي بِلَادِ الْكُفْرِ وَلَا يُمْكِنُ التَّسَارُعُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى خَرْقُهَا بِالْجُنُودِ، اضْطُرِرْنَا إِلَى الِانْتِظَارِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ مِنْهُمْ مَلِكٌ عَظِيمُ الشَّوْكَةِ طَرْفَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، لَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ آحَادُ الطَّوَائِفِ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ
هِيَ كَثِيرَةٌ مُفَرَّقَةٌ فِي أَبْوَابِهَا، كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute