فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ سَبْيُهُ، وَلَوْ أَسَرَ أَبَاهُ فِي الْقِتَالِ، زَادَ النَّظَرُ فِي أَنَّ الْأَسِيرَ إِذَا رُقَّ هَلْ يَكُونُ مِنَ السَّلَبِ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْغَنَائِمِ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ: أَرْضُ الْكُفَّارِ وَعَقَارُهُمْ تُمَلَّكُ بِالِاسْتِيلَاءِ، كَمَا تُمَلَّكُ الْمَنْقُولَاتُ، وَأَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : عِنْدِي أَنَّ أَسْفَلَهَا، دَخَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْوَةً، وَأَعْلَاهَا فُتِحَ صُلْحًا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَدُورُهَا وَعِرَاصُهَا الْمُحْيَاةُ مَمْلُوكَةٌ، كَسَائِرِ الْبِلَادِ، فَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، وَأَمَّا سَوَادُ الْعِرَاقِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فُتِحَ صُلْحًا، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَحَهُ عَنْوَةً، وَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَطَابَ قُلُوبَهُمْ وَاسْتَرَدَّهُ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا فَعَلَهُ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، وَفِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ: أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآجَرَهُ لِأَهْلِهِ، وَالْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ مُنَجَّمَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ، وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ بَاعَهُ لَهُمْ وَالْخَرَاجُ ثَمَنٌ مَنَجَّمٌ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَبَيْعُهُ، وَعَلَى الصَّحِيحِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لِأَهْلِهِ إِجَارَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلَا تَجُوزُ إِجَارَتُهُ مُؤَبَّدًا عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ إِجَارَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤَبَّدًا، فَإِنَّهَا احْتُمِلَتْ لِمَصْلَحَةٍ كُلِّيَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سُكَّانِهِ أَنْ يُزْعِجَ سَاكِنًا وَيَقُولَ: أَنَا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ، لِأَنَّهُ مَلَّكَ بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ أَوِ الرَّقَبَةَ، هَذَا حُكْمُ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ وَتُغْرَسُ، فَأَمَّا مَا فِي حَدِّ السَّوَادِ مِنَ الْمَسَاكِنِ وَالدُّورِ، فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ بَيْعِهَا، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَمْنَعْ شِرَاءَهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْأَرْضُ تَنَاوُلُ ثَمَرِ أَشْجَارِهَا؟ إِنْ قُلْنَا: الْأَرْضُ مَبِيعَةٌ، فَكَذَا الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ، وَإِنْ قُلْنَا: مُسْتَأْجَرَةٌ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لَهُ تُنَاوُلُهَا لِلْحَاجَةِ، وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute