ارْمِ عَشَرَةً، وَاحِدَةً عَنْكَ وَوَاحِدَةً عَنِّي، فَإِنْ كَانَتْ إِصَابَتُكَ فِيمَا رَمَيْتُ عَنْكَ أَكْثَرَ، فَلَكَ كَذَا، لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ عَقْدٌ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ نَفْسَيْنِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَهِدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ مِنْهَا أَكْثَرَ، فَلَكَ كَذَا، فَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَشَارَ فِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ يُنَاضِلُ نَفْسَهُ، فَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا: هُوَ جَائِزٌ، وَحَكُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي «الْأُمِّ» ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ بَذْلُ الْمَالِ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَلَهُ فِيهِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ تَحْرِيضُهُ عَلَى الرَّمْيِ وَمُشَاهَدَةِ رَمْيِهِ، قَالُوا: وَلَيْسَ هُوَ بِنِضَالٍ، بَلْ هُوَ جَعَالَةٌ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ غَلَّطَ الْمُزَنِيَّ فِي الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ: ارْمِ كَذَا، فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ، فَقَدَ نَضَلْتَنِي، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ النِّضَالَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ، فَرَمَى سِتَّةً وَأَصَابَهَا كُلَّهَا، فَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَلِلشَّارِطِ أَنْ يُكَلِّفَهُ اسْتِكْمَالَ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِعَشَرَةٍ إِصَابَتُهَا أَكْثَرُ، وَلَوْ قَالَ لِمُتَرَامِيَيْنِ: ارْمِيَا عَشَرَةً، فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمَا خَمْسَةً، فَلَهُ كَذَا، جَازَ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: نَرْمِي عَشَرَةً، فَإِنْ أَصَبْتَ فِي خَمْسَتِكَ، فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ أَصَبْتُ أَنَا، فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْكَ، جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ: وَإِنْ أَصَبْتَ فِي خَمْسَتِي، فَلِي عَلَيْكَ كَذَا، لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمُحَلِّلٍ، وَلَوْ قَالَ: ارْمِ سَهْمًا، فَإِنْ أَصَبْتَ، فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ أَخْطَأْتَ، فَعَلَيْكَ كَذَا، فَهُوَ قِمَارٌ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانُوا يَتَنَاضَلُونَ، فَمَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ، فَقَالَ لِمَنِ انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّمْيَ: ارْمِ، فَإِنْ أَصَبْتَ بِهَذَا السَّهْمِ، فَلَكَ دِينَارٌ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ، اسْتَحَقَّ الدِّينَارَ، وَتَكُونُ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute