نَقَلَ وَجْهًا أَنَّ الْحَلِفَ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ صَرِيحٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعْضِهَا وَبَعْضٍ، وَهَذَا غَرِيبٌ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فَالْحَلِفُ بِالصِّفَاتِ. فَمُتَكَلِّمٌ فِي صُوَرٍ:
مِنْهَا: إِذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ، فَيَمِينٌ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرَهَا، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِيَمِينٍ، حُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَمِينٌ، لِأَنَّهُ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَمِينِ، فَتَصِيرُ هَذِهِ الْقَرِينَةُ صَارِفَةً لِلَّفْظِ إِلَى مَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ قَالَ وَحَقُّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ وَنَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَا، وَإِنْ قَالَهُ بِالنَّصْبِ وَأَطْلَقَ فَوَجْهَانِ: وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْبَغَوِيُّ الْمَنْعُ فِي النَّصْبِ أَيْضًا.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ، وَقِيلَ هُوَ كَقَوْلِهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَقُدْرَةِ اللَّهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ، وَمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَسَمْعِ اللَّهِ، وَبَصَرِ اللَّهِ فَهَذِهِ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ، فَإِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا، أَيْ مَعْلُومَكَ، وَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ أَيْ مَقْدُورِهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: وَمَعْلُومِ اللَّهِ، وَمَقْدُورِهِ، وَخَلْقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ الْإِمَامُ فِي: إِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ قَالَ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَبَقَائِهِ، فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الذَّاتِ وَغَيْرِهَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهَانِ: أَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ. حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ الْيَمِينِ، لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَوَجْهًا أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute