مِسْكِينًا قَدْ قَتَلَ، فَلَمْ أُقَنِّطْهُ، قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَكَذَا إِنْ سَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنْ قَتَلْتُ عَبْدِي، فَهَلْ عَلَيَّ قِصَاصٌ، فَوَاسِعٌ أَنْ يُقَالَ: إِنْ قَتَلْتَهُ قَتَلْنَاكَ، فَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَهُ مَعَانٍ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِطْلَاقِهِ مَفْسَدَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمُسْتَفْتِي، فَيَلْزَمُهُ سُؤَالُ الْمُفْتِي عِنْدَ حُدُوثِ مَسْأَلَتِهِ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مَنْ عَرَفَ عِلْمَهُ وَعَدَالَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْعِلْمَ، بَحَثَ عَنْهُ بِسُؤَالِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْعَدَالَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَأَشْبَهُهُمَا الِاكْتِفَاءُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْبَحْثِ عَنِ الْعِلْمِ، فَلَيْسَ الْغَالِبُ مِنَ النَّاسِ الْعِلْمَ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْبَحْثُ، يَفْتَقِرُ إِلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ، أَمْ يَكْفِي إِخْبَارُ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ؟ أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.
قُلْتُ: الِاحْتِمَالَانِ فِيمَا إِذَا لَمْ تُعْرَفِ الْعَدَالَةُ، هُمَا فِيمَنْ كَانَ مَسْتُورًا وَهُوَ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَلَمْ يُخْتَبَرْ بَاطِنُهُ وَهُمَا وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا غَيْرُهُ، أَصَحُّهُمَا الِاكْتِفَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ يَعْسُرُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْقُضَاةِ، فَيَعْسُرُ عَلَى الْعَوَامِّ تَكْلِيفُهُمْ بِهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِحُضُورِ الْمَسْتُورِينَ.
أَمَّا الِاحْتِمَالَانِ فِي اشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَالِاكْتِفَاءِ بِعَدْلٍ، فَهُمَا مُحْتَمَلَانِ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُمَا، فَالَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنِ اسْتَفَاضَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ وَلَا التَّوَاتُرُ، بَلْ إِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: أَنَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ وَالشُّهْرَةَ بَيْنَ الْعَامَّةِ لَا وُثُوقَ بِهَا، فَقَدْ يَكُونُ أَصْلُهَا التَّلْبِيسَ، وَأَمَّا التَّوَاتُرُ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى مَعْلُومٍ مَحْسُوسٍ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَيْهَا إِخْبَارٌ مِنْهُ بِأَهْلِيَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute