للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَسْتَفْتِيَ فِيهَا. وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْمُتَصَرِّفُ الْبَحَّاثُ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْخِلَافِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ اسْتِقْلَالًا، لِقُصُورِ آلَتِهِ، وَلَا مِنْ مَذْهَبِ إِمَامٍ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ.

وَإِذَا اسْتَفْتَى الْعَامِّيُّ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، لَمْ يَجِبْ جَوَابُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي فَتْوَاهُ، وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى، وَتَسَاهُلُهُ قَدْ يَكُونُ بِأَنْ لَا يَتَثَبَّتَ وَيُسْرِعَ بِالْجَوَابِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ، فَلَا بَأْسَ بِالْإِسْرَاعِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنِ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُسَارَعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ أَغْرَاضٌ فَاسِدَةٌ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ الْمَكْرُوهَةِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالشُّبْهَةِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ، أَوِ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضُرَّهُ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَلَا وُثُوقَ بِهِ.

وَأَمَّا إِذَا صَحَّ قَصْدُهُ، فَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا تَجُرُّ إِلَى مَفْسَدَةٍ، لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرِيطَةِ يَمِينٍ وَنَحْوِهَا، فَذَلِكَ حَسَنٌ، وَعَلَّهُ يَحْمِلُ [مَا جَاءَ] عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ هَذَا.

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي كُلِّ حَالٍ تُغَيِّرُ خُلُقَهُ وَتَشْغَلُ قَلْبَهُ وَتَمْنَعُهُ التَّثَبُّتَ وَالتَّأَمُّلَ؛ كَحَالَةِ الْغَضَبِ أَوِ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ الْغَالِبِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْمَلَالَةِ، وَالْمَرَضِ الْمُقْلِقِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ، وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَتَى أَحَسَّ بِشُغْلِ قَلْبِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ، لَمْ يُفْتِ، فَإِنْ أَفْتَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إِدْرَاكِ الصَّوَابِ، صَحَّتْ فَتْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَاطِرًا. وَالْأَوْلَى لِلْمُتَصَدِّي لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَهُ كِفَايَةٌ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ إِنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>