وَالثَّالِثُ: أَنْ يَحْضُرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ فِي بَلَدِ الَّذِي حَكَمَ فَيُخْبِرَهُ، فَإِذَا عَادَ إِلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَهَلْ يُمْضِيهِ، إِنْ قُلْنَا: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي: سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِذَا عَادَ إِلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِمَا، بِأَنْ وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: حَكَمْتُ بِكَذَا فَيَجِبُ عَلَى الْآخَرِ إِمْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَجَوَّزْنَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: حَكَمْتُ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُمْضِيهِ، وَكَذَا إِذَا قَالَهُ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ فِي الْبَلَدِ وَبِالْعَكْسِ.
وَلَوْ خَرَجَ الْقَاضِي إِلَى قَرْيَةٍ لَهُ فِيهَا نَائِبٌ، فَأَخْبَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحُكْمِهِ أَمْضَاهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ مَحَلُّ وِلَايَتِهِمَا، وَلَوْ دَخَلَ النَّائِبُ الْبَلَدَ، فَقَالَ لِلْقَاضِي: حَكَمْتُ بِكَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي: حَكَمْتُ بِكَذَا فِي إِمْضَائِهِ إِيَّاهُ، إِذَا عَادَ إِلَى قَرْيَتِهِ الْخِلَافُ [فِي] الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ.
فَرْعٌ
إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحَقٍّ، وَشَافَهَ بِهِ وَالِيًا غَيْرَ قَاضٍ لِيَسْتَوْفِيَهُ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَكَذَا خَارِجَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ كَاتَبَ الْقَاضِي وَالِيًا غَيْرَ قَاضٍ، فَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ وَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ نَظَرَ الْقُضَاةِ وَتَوْلِيَةَ مَنْ يَرَاهُ، جَازَتْ مُكَاتَبَتُهُ، كَمَا تَجُوزُ مُكَاتَبَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا، أَوْ كَانَ، وَلَمْ يُفَوَّضْ إِلَيْهِ نَظَرُ الْقُضَاةِ، لَمْ تَجُزْ مُكَاتَبَتُهُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ يَخْتَصُّ بِالْقُضَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute