السُّلْطَانُ، فَإِذَا حَضَرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَاهُ، وَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْمُحْضَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لِامْتِنَاعِهِ. وَقِيلَ: عَلَى الْمُدَّعِي، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنِ اخْتَفَى بَعَثَ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِ دَارِهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَى ثَلَاثٍ سَمَّرَ بَابَ دَارِهِ، أَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَسَأَلَ الْمُدَّعِي التَّسْمِيرَ أَوِ الْخَتْمَ، أَجَابَهُ إِلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَإِذَا عُرِفَ لَهُ مَوْضِعٌ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: يَبْعَثُ الْقَاضِي جَمَاعَةً مِنَ النِّسْوَةِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخِصْيَانِ يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَيُفَتِّشُونَ.
وَمَتَّى كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنَ الْحُضُورِ، لَمْ يُكَلَّفْ، بَلْ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، أَوْ يَأْمُرُهُ بِنَصْبِ وَكِيلٍ لِيُخَاصِمَ عَنْهُ، فَإِنْ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يُحَلِّفُهُ، وَالْعُذْرُ كَالْمَرَضِ، أَوْ حَبْسِ ظَالِمٍ، أَوِ الْخَوْفِ مِنْهُ، وَفِي الْمَرْأَةِ الْمُخَدَّرَةِ خِلَافٌ سَيَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْبَلَدِ، فَيُنْظَرُ إِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحْضِرَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ نَائِبٌ، لَمْ يُحْضِرْهُ، بَلْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَيَكْتُبُ إِلَيْهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ إِحْضَارُهُ إِذَا طَلَبَ الْخَصْمُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي «الْأَمَالِي» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهُمَا - وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ -: يُحْضِرُهُ قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ أَمْ بَعُدَتْ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى بَلَدِ الْمَطْلُوبِ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَعْدِي، وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَحْضَرَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى، أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَإِذَا قُلْنَا: لَا يُحْضِرُهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ، فَكَذَا لَا يُحْضِرُهُ إِذَا كَانَ (هُنَاكَ) مَنْ يَتَوَسَّطُ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَكْتُبُ إِلَيْهِ أَنْ يَتَوَسَّطَ وَيُصْلِحَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ يُحْضِرُهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُحْضِرُ الْخَارِجَ عَنِ الْبَلَدِ، فَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُحْضِرُهُ إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute