للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِبْصَارِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّحَمُّلُ اعْتِمَادًا عَلَى الصَّوْتِ، فَإِنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ وَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا التَّخْيِيلُ وَالتَّلْبِيسُ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى شَهَادَتِهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالْبُصَرَاءِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا بِالْإِجْمَاعِ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي يَطَأَهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ ضَرُورَةٌ، وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُ أَنَّ الْعَمَى لَا يَقْدَحُ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ جَارٍ فِي الشَّهَادَةِ، وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ.

وَيُسْتَثْنَى عَنْ هَذَا صُورَةُ الضَّبْطَةِ وَهِيَ أَنْ يَضَعَ رَجُلٌ فَمَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَيَدَ الْأَعْمَى عَلَى رَأْسِهِ، فَيُنْظَرُ إِنْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ لِرَجُلٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ بِمَالٍ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَعْمَى، وَلَا يَزَالُ يَضْبِطُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ سَدًّا لِلْبَابِ مَعَ عُسْرِ ذَلِكَ.

وَتُقْبَلُ رِوَايَةُ الْأَعْمَى مَا سَمِعَهُ حَالَ الْعَمَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ إِذَا حَصَلَ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِضَبْطِهِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ، فَأَمَّا مَا سَمِعَهُ قَبْلَ الْعَمَى، فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي الْعَمَى بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً تَحْتَاجُ إِلَى الْبَصَرِ وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ، نُظِرَ إِنْ تَحَمَّلَ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَمَا عَمِيَ، وَيُقْبَلَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَكَذَا لَوْ عَمِيَ وَيَدُ الْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ لِمَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنِّسَبِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى تَرْجَمَةِ الْأَعْمَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ عَمِيَ الْقَاضِي بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا، فَفِي نُفُوذِ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>