لَهُمْ عَلَى الْقَاضِي، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشُّهُودِ إِذَا قُلْنَا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ بِالْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي حَدِّ اللَّهِ - تَعَالَى أَوْ قِصَاصٍ - وَسَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ اسْتَوْفَاهُ الْمُدَّعِي أَوِ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ فَوَّضَ اسْتِيفَاءَهُ بِإِذْنِ الْمُدَّعِي إِلَى شَخْصٍ، وَسَبَقَ فِي إِذْنِ الْقَاضِي عَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إِنِ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْقَاضِي إِذَا بَاشَرَ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ فَوَّضَهُ إِلَى غَيْرِهِ بِإِذْنِ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عِنْدَ الْمَحْكُومِ لَهُ انْتُزِعَ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، أُخِذَ مِنْهُ ضَمَانُهُ، وَقِيلَ: إِنْ تَلَفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَا ضَمَانَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِتْلَافِ حَيْثُ قُلْنَا: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ إِنَّمَا يُضْمَنُ إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، وَحُكْمُ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنِ التَّعَدِّي، وَأَمَّا الْمَالُ، فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ مَضْمُونًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ مُعْسِرًا أَوْ غَائِبًا، فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْقَاضِي لِيَغْرَمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي قَوْلٍ، وَمِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ نَفْسٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِلَةِ، ثُمَّ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ إِذَا ظَفِرَ بِهِ مُوسِرًا، وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ؟ جَعَلَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا فِي الْإِتْلَافَاتِ، وَيَجِيءُ أَنْ يُقَالَ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ: إِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَتَخَيَّرُ فِي تَغْرِيمِ الْقَاضِي، وَتَغْرِيمِ الْمَحْكُومِ لَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute