قُلْتُ: هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ كَالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْمُتَنَازِعَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَخَذَ الْمَالَ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي مُنَازَعَتِهِ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِبَائِعِي، وَلَا بِأَنَّهُ مِلْكِي بِأَنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ - وَهُوَ سَاكِتٌّ - فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ قَطْعًا، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ ظَالِمٌ بِاعْتِرَافِهِ، وَأَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ مَهْمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ، أَوِ اعْتَمَدَ ظَاهِرَ الْيَدِ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ: بِعْنِي هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنَّهَا مِلْكُكَ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ إِقْرَارًا لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ ذَلِكَ إِقْرَارٌ تَضَمَّنَهُ الشِّرَاءُ، فَبَطَلَ بِبُطْلَانِ الْمُبَايَعَةِ، وَالْإِقْرَارُ الْمُسْتَقِلُّ بِخِلَافِهِ وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فِي الظَّاهِرِ، فَقَالَ: أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَأَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى رِقِّهِ، أَوْ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالرِّقِّ لَهُ، أَوْ لِلَّذِي بَاعَهُ إِيَّاهُ، فَإِذَا حَلَفَ حَكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ، ثُمَّ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَدَّادِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَفَصَّلَ أَكْثَرُهُمْ، فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي مُنَازَعَتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ رَجَعَ، وَإِنْ صَرَّحَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ.
فُرُوعٌ
مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي سَعْدٍ الْهَرَوِيِّ: أَقَرَّ الْمُشْتَرِي لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ، ثُمَّ أَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي، لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، لَمْ يُمَكَّنْ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ بِلَا وَكَالَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، كَيْفَ وَالْمُدَّعِي لَوْ أَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْبَيِّنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute