للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرْعٌ

أَقَامَ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ شُهُودًا، ثُمَّ قَالَ: كَذَبَ شُهُودِي، أَوْ شَهِدُوا مُبْطِلِينَ، فَلَا شَكَّ فِي سُقُوطِ بَيِّنَتِهِ، وَامْتِنَاعِ الْحُكْمِ، وَفِي بُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ، كَمَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أُخْرَى، وَأَصَحُّهَمَا: لَا، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ وَالشُّهُودِ مُبْطِلِينَ لِشَهَادَتِهِمْ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ، وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) وَبُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شُهُودًا، فَزَعَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِأَنَّ شُهُودَهُ كَذَبَةٌ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ هَلْ يُمْكِنُ، وَيَحْكُمُ بِشَاهِدِهِ وَيَمِينِهِ؟ إِنْ قُلْنَا: هَذَا الْإِقْرَارُ لَا يُبْطِلُ أَصْلَ الدَّعْوَى، فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ الطَّعْنُ فِي الشُّهُودِ، وَإِخْرَاجُ شَهَادَتِهِمْ عَنْ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا، وَجَرْحُ الشُّهُودِ، وَالطَّعْنُ فِيهِمْ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِمَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يُبْطِلُهَا، مُكِّنَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ إِسْقَاطُ الدَّعْوَى بِالْمَالِ، فَهُوَ كَادِّعَاءِ الْإِبْرَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.

فُرُوعٌ

فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ: أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فِي حَادِثَةٍ، وَكَانَا اسْتَبَاعَا الدَّارَ مِنْهُ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ شَاهِدَيِ الْمُدَّعِي قَالَا: لَا شَهَادَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ سَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ: مَتَى قَالَ ذَلِكَ شَاهِدَا الْمُدَّعِي؟ فَإِنْ قَالَا: قَالَاهُ أَمْسِ، أَوْ مِنْ شَهْرٍ، لَمْ تَنْدَفِعْ شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ لَا يَكُونَانِ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ يَصِيرَانِ. وَإِنْ قَالَا: قَالَا حِينَ تَصَدَّيَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>