بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْيَقِينُ، وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، فَعَلَى هَذَا يَعُودُ خِلَافُ التَّعَارُضِ وَفِيهِ طَرِيقٌ ثَانٍ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: إِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى الْإِقْبَاضِ مَعَ الْبَيْعِ، وَجَبَ الثَّمَنَانِ قَطْعًا، وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَيَا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا لَوْ قَامَتَا عَلَى الْبَيِّعَيْنِ، فَيُنْظَرُ أَقَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، أَمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ فِي وَقْتٍ، وَمِنْ عَمْرٍو كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ الثَّمَنَانِ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ مُطْلَقًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا إِذَا أُرِّخَتَا تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الِانْتِقَالُ مِنَ الْمُشْتَرِي إِلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي، فَإِنْ عَيَّنَ الشُّهُودُ زَمَنًا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ، لَمْ يَجِبِ الثَّمَنَانِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ بَاعَ فَلَانًا فِي سَاعَةِ كَذَا، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ كَانَ سَاكِنًا تِلْكَ الْحَالَةَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ قَبِلَ فَلَانًا سَاعَةَ كَذَا، وَآخَرُ أَنَّهُ كَانَ سَاكِنًا تِلْكَ الْحَالَةَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَعْمَلُ شَيْئًا، فَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّفْيِ فِي الْمَضَايِقِ، وَأَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، فَإِنْ قَبِلْنَاهَا، جَازَ التَّعَارُضُ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْصُورَ كَالْإِثْبَاتِ فِي إِمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَالَ الْأَكْثَرُونَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ: بِعْتُكَ كَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute