فَقَوْلَانِ، أَوْ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَهْرًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ قَرِيبِهِ، وَأَظْهَرُهُمَا يَسْرِي، لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ بِاخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجْرِي قَوْلُ الْقِسْمَةِ هُنَا تَحَرُّزًا مِنْ تَبْغِيضِ الْحُرِّيَّةِ، وَصَرَّحَ الْمُزَنِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مُقَدَّمَةٌ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ إِثْبَاتِهِ قَوْلًا قَالُوا: وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ لَوْ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الْبَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً، وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً، فَهُوَ كَمَا لَوِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يَجْرِي هُنَا قَوْلُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُمَا مُمْكِنٌ، بِأَنْ بَاعَهُ صَاحِبُ الْيَدِ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَتَصْدِيقُ صَاحِبِ الْيَدِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَا يُوجِبُ الرُّجْحَانَ إِلَّا عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا سَبَقَ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي التَّدَاعِي وَالتَّعَارُضِ فِي الْمَوْتِ وَالْإِرْثِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: مَاتَ رَجُلٌ عَنِ اثْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: مَاتَ عَلَى دِينِي فَأَرِثُهُ، فَلِلْأَبِ حَالَانِ، الْأُولَى أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالتَّنَصُّرِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَاتَ عَلَى مَا كَانَ، فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، نُظِرَ إِنْ أُطْلِقَتَا، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: مَاتَ مُسْلِمًا، وَالْأُخْرَى مَاتَ نَصْرَانِيًّا، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهُوَ انْتِقَالُهُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، فُقِدِّمَتِ النَّاقِلَةُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ، كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute