تَعَارَضَتَا، وَجَرَتْ أَقْوَالُ التَّعَارُضِ. هَذَا إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّ الْآخَرَ مَاتَ قَبْلَهُ أَمْ بَعْدَهُ، صُدِّقَ مَنْ قَالَ: بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْحَيَاةِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَنْ قَالَ: قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ.
فَرْعٌ
مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ فَقَالُوا لَهَا: كُنْتِ أَمَةً، فَعَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ ذِمِّيَّةً، فَأَسْلَمْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَتْ: بَلْ عَتَقْتُ وَأَسْلَمْتُ قَبْلَهُ، فَهُمُ الْمُصَدَّقُونَ. وَإِنْ قَالَتْ: لَمْ أَزَلْ حُرَّةً مَسْلِمَةً، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. وَفِي قَوْلٍ: تُصَدَّقُ فِي الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ. وَخُرِّجَ قَوْلٌ: أَنَّ الْأَوْلَادَ يُصَدَّقُونَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِرَاثَتِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: سَيِّدٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ قُتِلْتُ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَتَنَازَعَ بَعْدَهُ الْعَبْدُ وَالْوَارِثُ، وَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قُتِلَ، وَالْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ. وَالثَّانِي: يَتَعَارَضَانِ، لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، فَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ، فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ، وَيَسْتَمِرُّ الرِّقُّ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَسْمِ عَتَقَ نَصْفُهُ، أَوْ بِالْقُرْعَةِ إِنْ خَرَجَتْ لَهُ، وَرَقَّ إِنْ خَرَجَتْ لِلْوَارِثِ، وَلَا يَخْفَى الْوَقْفُ. وَإِذَا قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الْقَتْلِ فَلَا قَصَاصَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يُنْكِرُهُ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ، وَالْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ فِي شَوَّالٍ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: التَّعَارُضُ، وَأَظْهَرُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَهِيَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ إِلَى شَوَّالٍ. وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَطَّرِدَ فِي نَظَائِرِهِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ. وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ فِي شَعْبَانَ، فَالْقِيَاسُ مَجِيءُ الْخِلَافِ وَانْعِكَاسُ الْقَوْلِ الثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute