الْحُكْمُ الرَّابِعُ: فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ: فَإِذَا كَاتَبَ أَمَةً لَهَا وَلَدٌ، فَالْوَلَدُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، فَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَسَدَتْ، فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَ الْوَلَدُ أَيْضًا بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهَا، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَتَيَقَّنَا الْحَمْلَ بِانْفِصَالِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَا يُعْرَفُ، فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا.
فَإِنْ قُلْنَا: يُعْرَفُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمَا، فَإِذَا عَتَقَتْ عَتَقَ.
وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ كِتَابَةٌ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ السَّيِّدِ، فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِزِنًا أَوْ نِكَاحٍ، فَهَلْ ثَبَتَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَأَحَبُّهُمَا إِلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : تَثْبُتُ، فَيُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ أَوِ الْإِعْتَاقِ.
وَقَطَعَ أَبُو إِسْحَاقَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: إِذَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ الْآخَرُ سَاقِطًا، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنَ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ.
وَلَوْ عَجَزَتِ الْمُكَاتَبَةُ، أَوْ مَاتَتْ، بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ، وَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ فَسَخَتِ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا لِجِهَةِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُثْبِتُ الْوَلَدُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَطْءُ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ أَمَةً وَلَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ، فَحَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِمَنْ [هُوَ] فِيهِ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ كَمَا أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَهُ، وَكَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ لَمَا عَتَقَ بِعِتْقِهَا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ صُوَرٌ.