مَقْتُولٍ ظُلْمًا شَهِيدًا وَهُوَ أَظْهَرُ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي (الْمُخْتَصَرِ) وَعَلَى هَذَا، الشَّهِيدُ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ، أَمْ لَا. أَمَّا إِذَا مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ لَا بِسَبَبِ الْقِتَالِ، بَلْ بِمَرَضٍ، أَوْ فَجْأَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَقِيلَ: عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ جُرِحَ فِي الْقِتَالِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، فَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَبَقِيَ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ أَكَلَ وَتَكَلَّمَ وَصَلَّى، أَمْ لَا، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ. وَقِيلَ: إِنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ، فَقَوْلَانِ، وَإِنْ بَقِيَ أَيَّامًا، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا. وَأَمَّا إِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ، فَشَهِيدٌ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنِ انْقَضَتْ وَهُوَ مُتَوَقَّعُ الْبَقَاءِ، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ مُسْلِمًا اغْتِيَالًا، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيُغَسَّلُ الْبَاغِي الْمَقْتُولُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَطْعًا. وَمَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، قِيلَ. لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا. وَقِيلَ: كَالْعَادِلِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الشُّهَدَاءُ الْعَارُونَ عَنْ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، كَالْمَبْطُونِ، وَالْمَطْعُونِ، وَالْغَرِيقِ، وَالْغَرِيبِ، وَالْمَيِّتِ عِشْقًا، وَالْمَيِّتَةِ فِي الطَّلْقِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، أَوْ بَاغٍ، فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، فَهُمْ كَسَائِرِ الْمَوْتَى يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا الْمَقْتُولُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا لَيْسَ بِشَهِيدٍ. وَإِذَا قُتِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ، غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَرُفِعَ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ تَغْلِيطًا عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute