وَالثَّالِثُ: إِنْ عَلَفَهَا بِعَلَفٍ مِنْ عِنْدِهِ، لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِلَّا انْقَطَعَ. وَلَوْ غَصَبَ مَعْلُوفَةً فَأَسَامَهَا، وَقُلْنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَغْصُوبِ - فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ. وَالثَّانِي: تَجِبُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً وَبَذَرَهَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا يَنْبُتُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا مَئُونَةٌ وَجَبَتْ بِفِعْلِهِ، أَمْ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ نَفْعَ حَقِّهِ فِي الْمَئُونَةِ عَائِدٌ إِلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: عَلَى الْمَالِكِ، فَفِي رُجُوعِهِ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ، وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: الرُّجُوعُ. فَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ، فَيَرْجِعُ قَبْلَ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَمْ بَعْدَهُ؟ وَجْهَانِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنْ وَجَبَتْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ، ثُمَّ يُغَرَّمُ الْغَاصِبُ. أَمَّا إِيجَابُ الزَّكَاةِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَبَعِيدٌ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: كَمَالُ الْمِلْكِ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ خِلَافٌ يَظْهَرُ بِتَفْرِيعِ مَسَائِلِهِ. فَإِذَا ضَلَّ مَالُهُ، أَوْ غُصِبَ، أَوْ سُرِقَ، وَتَعَذَّرَ انْتِزَاعُهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ فَجُحِدَ، أَوْ وَقَعَ فِي بَحْرٍ، فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ، أَصَحُّهَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: وَجُوبُهَا، وَالْقَدِيمُ: لَا تَجِبُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَالثَّالِثُ: إِنْ عَادَتْ بِتَمَامِهَا وَجَبَتْ، وَإِلَّا فَلَا.
فَإِنْ قُلْنَا بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: مَوْضِعُهُمَا إِذَا عَادَ الْمَالُ بِلَا نَمَاءٍ، فَإِنْ عَادَ مَعَهُ وَجَبَ الزَّكَاةُ قَطْعًا. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، لَوْ عَادَ بَعْضُ النَّمَاءِ كَانَ كَمَا لَوْ لَمْ يَعُدْ مَعَهُ شَيْءٌ.
وَمَعْنَى الْعَوْدِ بِلَا نَمَاءٍ: أَنْ يُتْلِفَهُ الْغَاصِبُ وَيَتَعَذَّرَ تَغْرِيمُهُ. فَأَمَّا إِنْ غُرِّمَ، أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ كَانَ يَتْلَفُ فِي يَدِ الْمَالِكِ أَيْضًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ عَادَ النَّمَاءُ بِعَيْنِهِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا عَادَ الْمَالُ إِلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُبْ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ عَوْدِ الْمَالِ إِلَيْهِ، فَلَوْ تَلِفَ فِي الْحَيْلُولَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَحْوَالٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَالتَّلَفُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ. وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي الْمَاشِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ، فَإِنْ عُلِفَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا عَادَ النَّظَرُ الْمُتَقَدِّمُ قَرِيبًا فِي إِسَامَةِ الْغَاصِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute