فَرْعٌ
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْأَلَةً، وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ التَّوَقُّفِ، وَلَمْ أَجِدْهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ. قَالَ: وَالْأُفُقِيُّ إِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ النُّسُكَ، فَاعْتَمَرَ عَقِبَ دُخُولِهِ مَكَّةَ، ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، إِذْ صَارَ مِنَ الْحَاضِرِينَ، إِذْ لَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْإِقَامَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ فِي أَنَّ مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَمْ لَا؟ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اعْتِبَارِ اشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ، يُنَازِعُهُ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَنَقْلُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي «الْإِمْلَاءِ» وَالْقَدِيمِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ، بَلْ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُدَانِي هَذِهِ. وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْغَرِيبُ الْمِيقَاتَ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ نُسُكًا، وَلَا دُخُولَ الْحَرَمِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَاعْتَمَرَ مِنْهُ وَحَجَّ بَعْدَهَا عَلَى صُورَةِ التَّمَتُّعِ، هَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؟ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ بَدَا لَهُ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْحَاضِرِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَتْ صُورَةُ التَّمَتُّعِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنَ الْحَاضِرِينَ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا: أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَيْسَ بِحَاضِرٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
لَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى وَجْهَيْنِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ، دَمُ جَبْرٍ، أَمْ دَمُ نُسُكٍ؟ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ: أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute