فِي الدُّخُولِ مُحْرِمًا، فَهُوَ كَحُرٍّ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ. وَإِذَا اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، فَدَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ. وَسَبِيلُهُ عَلَى هَذَا، أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا.
وَعَلَّلُوا عَدَمَ الْقَضَاءِ بِعِلَّتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ الثَّانِيَ يَقْتَضِي إِحْرَامًا آخَرَ، فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا.
وَفَرَّعَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِينَ، ثُمَّ صَارَ مِنْهُمْ قَضَى لِتَمَكُّنِهِ. وَرُبَّمَا نُقِلَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَبِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ: أَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلْبُقْعَةِ، فَلَا تُقْضَى كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
وَأَبْطَلُوا الْعِلَّةَ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ كَجٍّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ: إِنَّهُ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ. فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ أَصْلِهِ. وَهَلْ يَنْزِلُ دُخُولُ الْحَرَمِ مَنْزِلَةَ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ؟ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: نَعَمْ، وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ فِي هَذَا الْحَرَمُ. وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى خِلَافٍ سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ: الْقَطْعُ بِأَنَّ الْحَرَمَ كَمَكَّةَ فِي هَذَا. وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ خَلَائِقُ مِنْهُمْ صَاحِبُ «الْحَاوِي» وَالْمُحَامِلِيُّ فِي «الْمُقْنِعِ» ، وَغَيْرُهُ، وَالْجُرْجَانِيُّ فِي «التَّحْرِيرِ» ، وَالشَّاشِيُّ فِي «الْمُسْتَظْهِرِيِّ» ، وَالرُّويَانِيُّ فِي «الْحِلْيَةِ» ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَجَبٌ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مَعَ شُهْرَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute