قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْأُمِّ» وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ هَذَا الْمَبِيتُ مَجْبُورٌ بِالدَّمِ. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَمْ مُسْتَحَبٌّ؟ أَمَّا لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ فَسَبَقَ حُكْمُهُ. وَأَمَّا الْبَاقِي، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الِاسْتِحْبَابُ. وَالثَّانِي: الْإِيجَابُ. وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: الْإِيجَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ إِنْ تَرَكَ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ وَحْدَهَا، أَرَاقَ دَمًا. وَإِنْ تَرَكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحَكَى صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» قَوْلًا: أَنَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَمًا، وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَةً، فَأَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: تُجْبَرُ بِمُدٍّ.
وَالثَّانِي: بِدِرْهَمٍ. وَالثَّالِثُ: بِثُلُثِ دَمٍ. وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. وَإِنْ تَرَكَ اللَّيَالِيَ الْأَرْبَعَ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: دَمَانِ، دَمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وَدَمٌ لِلْبَاقِي. وَالثَّانِي: دَمٌ لِلْجَمِيعِ. هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِمِنًى وَقْتَ الْغُرُوبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَبِتْ، وَأَفْرَدْنَا الْمُزْدَلِفَةَ بِدَمٍ، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا لَيْلَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مُدَّانِ، أَوْ دِرْهَمَانِ، أَوْ ثُلُثَا دَمٍ. وَالثَّانِي: دَمٌ كَامِلٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَهَذَا أَصَحُّ، وَهُوَ جَارٍ فِيمَا لَوْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ.
أَمَّا مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَهُمْ أَصْنَافٌ، مِنْهُمْ رِعَاءُ الْإِبِلِ، وَأَهْلُ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، فَلَهُمْ إِذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، وَلِلصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمٍ، وَيَقْضُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ قَبْلَ رَمْيِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ. فَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّانِي، بِأَنْ نَفَرُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الرَّمْيِ، عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، بِأَنْ نَفَرُوا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ، عَادُوا فِي الثَّانِي. ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute