للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥. وقال ابن رشد الجد (ت ٥٢٠): (الله تعالى خلق الماء طهوراً، فهو يحمل ما غلب عليه من النجاسات، بخلاف ما عداه من الأطعمة والأدم المائعات. والفرق بينهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن ماء بير بضاعة وما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات فقال: «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته»، وسئل عن الفارة تقع في السمن فقال: «انزعوها وما حولها فاطرحوه وإن كان مائعا فلا تقربوه»، وهذا ما لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار) (١).

ونوقشت حكاية الإجماع:

- بعدم التسليم بها، قال ابن تيمية (ت ٧٢٨): (هذا فيه نزاع معروف، فمذهب طائفة أنه يُلقَى وما قرب منها ويؤكل، سواء كان جامداً أو مائعاً) (٢)، ثم ذكر خلاف ابن عباس وماحكي عن ابن مسعود -رضي الله عنهم-، والزهري وإحدى الروايات عن أحمد ومالك، وأنهم يرون أن غير الماء كالماء في إمكان تطهيرها من النجاسات.

- فالظاهر أن الإجماع غير متحقق كما قرره ابن تيمية، وقد خالف في المسألة ابن عباس (٣) -رضي الله عنه- وليس بصريح-، وابن مسعود -رضي الله عنه-


(١) البيان والتحصيل (١/ ٣٨).
(٢) نقد مراتب الإجماع ص (٢٩٢).
(٣) قال ابن تيمية في الفتاوى (٢١/ ٤٩٧): (وروى صالح بن أحمد في "مسائله" عن أحمد قال: حدثنا أبي حدثنا إسماعيل حدثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة أن ابن عباس سُئِل عن فارة ماتت في سمن، قال: (تُؤخذ الفأرة وما حولَها). قلت: يا مولاي! فإن أثرها كان في السمن كلِّه، قال: (عضضتَ بِهَنِ أبيك! إنما كان أثرها في السمن وهي حية، وإنما ماتت حيث وجدت) [قال ابن حجر في الفتح (٩/ ٦٦٩): ورجاله رجال الصحيح]، ثم قال: حدثنا أبي حدثنا وكيع حدثنا عن النضر بن عربي عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فسأله عن جَرٍّ فيه زيت وقعَ فيه جروٌ، فقال: (خذه وما حوله، فالقِه وكُلْه» ولم أجد هذين الأثرين بعد بحث في المسند وفي مسائل صالح، قال محقق جامع المسائل لابن تيمية (٣/ ٣٤٠): (لم نجد النصوص المقتبسة منه [أي: مسائل صالح] في مطبوعته، فإنها ناقصة الأول والآخر)، وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف (٢٤٤٠٧) عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن جامد: (فأمر أن تلقى وما حولها ويؤكل بقيته) وهي صريحة في الجامد، ومانقله ابن تيمية عنه ليس صريحاً في المائع، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>