للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصوصى لله تعالى، وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذ يقول: «لكل أمة رهبانية ورهبانية أمتى فى الجهاد» ، ولذلك أمر الله تعالى عند البدء فى الكلام فى الجهاد بعد أن بين أن المشركين يصدون عن سبيل الله ويعادون المؤمنين، وينتهزون فرصة لينقضوا، قال تعالت كلماته:

قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها، وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.

وذكرهم سبحانه وتعالى بأن الكثرة، وقوة العدة لا تغنى عن الاتجاه إلى الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا، ثم ذكرهم بموقعة حنين، إذ لم تغن شيئا، إذ لم يكن الاتجاه إلى الله من الجيش كله كاملا، وإن كان كاملا كل الكمال فى بعضه فأولئك الذين ناداهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد اشتدت الشديدة، وكثر الفرار، وقل الإقدام، حتى كان المجاهدون الأبذال الذين بدلوا بالهزيمة نصرا، وبالفرار إقداما.

وكان الجهاد فى هذا الموضع تتميما للكلام فى البيت، وبيان أنه لا يحميه إلا الجهاد فهو الذى يمنع دخول المشركين، ولذلك ختم آيات البيت الحرام بقوله تعالت كلماته: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة)

٧٠٠- وقد بين الله سبحانه وتعالى معاملة أهل الكتاب من الكفار، بأنه لا يجوز لأهل الإيمان السكوت عن دعوتهم، وإن كانوا فى الجزيرة العربية أهون على أهل الإيمان من المشركين الذين إذ كانوا أقل خطرا وعددا، وإن كان اليهود شرا فى أنفسهم.

ولقد أمر سبحانه وتعالى فى سورة التوبة أن يقاتلوهم، فقال الله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (التوبة)

وبين سبحانه فى السورة حالهم من اتخاذهم المسيح إلها، واتخاذ اليهود عزيرا إلها، وأنهم بذلك يضاهئون قول المشركين فى اتخاذهم الأوثان، فإن الشرك كما يكون بعبادة الأوثان يكون بعبادة الأشخاص.

وذكر سبحانه وتعالى العماد الذى قام عليه انحراف الذين قالوا إنا نصارى عن الوحدانية، وهو أن قام الأحبار والرهبان بين المسيحيين، وبين إدراك الحقائق المسيحية، فقد اتخذ الأحبار والرهبان أربابا ثم ذكر ما

<<  <  ج: ص:  >  >>