للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى؟ فقال: فى النار، فلما ولى الرجل قال عليه السلام: إن أبى وأباك فى النار» وليس لنا أن نقول نحن هذا فى أبويه صلى الله تعالى عليه وسلم، لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات» وإنما قال النبى عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل ما قال، لأنه وجد فى نفسه، وقد قيل أنه قال أين أبوك أنت، فحينئذ قال، وقد رواه معمر بن راشد بغير هذا اللفظ، فلم يذكر أنه قال إنه قال إن أبى وأباك فى النار.

ولا شك أن الخبر الذى يقول أن أبا محمد عليه الصلاة والسلام فى النار خبر غريب فى معناه، كما هو غريب فى سنده، لأن الله تعالى يقول: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «١» وقد كان أبو محمد عليه الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل، فكيف يعذبون؟!! إن هذا مخالف للحقائق الدينية، لقد مات أحدهما قبل أن يبرز الرسول إلى الوجود، وماتت الاخرى وهو غلام لم يبعث رسولا، ولذلك كان الخبر الذى يقول أنهما فى النار مردودا لغرابة سنده، أولا، ولبعد معناه عن الحقيقة ثانيا.

ولعل نهى النبى عليه الصلاة والسلام عن الاستغفار، لأن الاستغفار لا موضع له، إذ أنه لم يكن خطاب بالتكليف من نبى مبعوث، وليس كاستغفار إبراهيم لأبيه الذى نهى عنه، لأن أبا إبراهيم قد خوطب برسالة إبراهيم فعلا، فهو مكلف أن يؤمن بالله، ويكفر بالأوثان.

وفى الحق أنى ضرست فى سمعى وفهمى عندما تصورت أن عبد الله وامنة يتصور أن يدخلا النار؛ لأنه عبد الله الشاب الصبور الذى رضى بأن يذبح لنذر أبيه، وتقدم راضيا، ولما افتدته قريش استقبل الفداء راضيا، وهو الذى كان عيوفا عن اللهو والعبث، وهو الذى برزت إليه المرأة تقول هيت لك، فيقول لها أما الحرام فالممات دونه، ولماذا يعاقب بالنار، وهو لم تبلغه دعوة رسول، ونفى الله تعالى العذاب إلا بعد أن يرسل رسولا، ولما تكن الرسالة قد وجدت، ولم يكن الرسول قد بعث.

وأما الأم الرؤوم الصبور التى لاقت الحرمان من زوجها فصبرت، ورأت ولدها يتيما فقيرا، فصبرت، وحملته صابرة راضية فى الذهاب إلى أخواله، أيتصور عاقل أن تدخل هذه النار من غير أن يكون ثمة رسالة تهديها ودعوة إلى الواحدانية توجهها.

إنى ضرست لا لمحبتى للمصطفى الحبيب فقط وإن كانت كافية، ولكن لأن قصة امنة جعلتنى لا أستطيع أن أتصور هذه الصبور معذبة بالنار، وقد شبهتها بالبتول مريم العذراء لولا أن الملائكة لم تخاطبها.

٩٥- ويظهر أن النبى صلى الله عليه سلم كان كلما مر بقبر أمه غلبت عبراته، ولا عيب فى ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام أن البكاء من الرحمن والصراخ من الشيطان، ولقد ذكر الرواة أنه


(١) سورة الإسراء: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>